
العرب اصافت .. تعبير شائع يطلق في برقة عندما تقوم القبائل بتجديد تحالفاتها والتي تسمى الصفوف عند حدوث حروب بينها وهذا بالضبط ما يحدث حاليا في العالم المتجه الى نظام ذي قطبية متعددة بعد حقبة القطب الواحد والتي بدأت مع انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي.
ان القطبية القادمة لن تكون كما يعتقد الكثيرون بين أمريكيا وروسيا بل بين أمريكيا والصين وما الحرب الروسية في أوكرانيا الا محاولة غربية لإضعاف روسيا وجرها قسرا للقطب الغربي حتى لا تنضم للصين هذه الحرب الذي وجد الغرب نفسه مضطرا لها مع سيطرة بوتين على روسيا وعدائه الواضح للغرب وبالأخص أمريكيا مع إضافة شخصية تتمثل في عدائه للرئيس الأمريكي الحالي الذي وصفه في اثناء حملته الانتخابية بانه مجرم
فيما يخص المنطقة العربية والشرق الأوسط وهي بالأساس منطقة للنفوذ الأمريكي بدأت أمريكيا في إعادة حشد صفوفها وسحب الدول التابعة لها من دائرة النفوذ الروسي ومن أهمها بالطبع سوريا التي وان كانت خلال حقبة الثنائية القطبية السابقة اقرب للنفوذ السوفيتي الا ان ذلك تغير بانهيار الاتحاد السوفيتي وسيطرة القطب الأمريكي الواحد والذي اصر تحت شعار الرئيس بوش الصغير ( من ليس معنا فهو ضدنا) على ضم كل الدول في عملية غزو العراق بذريعة الحرب على الارهاب فقام الرئيس السوري حافظ الأسد حينها بالدخول الى بيت الطاعة الأمريكي الذي دخله اخرون طوعا او كرها وكان ذلك إيذانا بانضمام سوريا الصمود والتصدي الى قافلة السلام مع الإسرائيليين التي حطت رحالها أخيرا في أوسلو.
وفي هذه الإطار تأتي زيارة المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق الى سوريا ولقائه ببشار الأسد والذي حدث فيما لايزال النظام السوري محروما من تمثيل سوريا في الجامعة العربية وهي زيارة ليست كما يظن البعض انها في إطار بحث عقيلة عن حلفاء قريبين من روسيا في مواجهة مشروع باتيلي المدعوم أمريكيا والذي يقضي بتجاوز مجلسي النواب والدولة واختيار لجنة جديدة تقود البلاد الى انتخابات تشريعية ورئاسية.
حفتر وترامب
ان الاعتقاد بان حفتر صنيعة المخابرات الأمريكية – ومن ورائه عقيلة – يستطيع في مرحلة تمايز الصفوف هذه ان يغامر بإغضاب أمريكيا والتقرب من روسيا هو اعتقاد بعيد عن الواقع والصحيح ان التقارب مع الروس حدث في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب والذي شهدت فترة ادارته بداية من انتخابه وحتى امتناعه عن التسليم بنتيجة الانتخابات بعد خسارته فيها شهدت تطورا كبيرا في العلاقة مع روسيا وهو المتهم شخصيا بتلقي دعم الرئيس الروسي بوتين خلال حملته الانتخابية وان كان التقارب مع روسيا ومحاولة سحبها بعيدا عن التحالف مع الصين كان هو الخط العام للسياسية الأمريكية والذي بدا من صعود العملاق الصيني الا ان إدارة ترامب شهدت أيضا انسحابا كبيرا من خوض الدور الأمريكي المعتاد في الشرق الأوسط مما اعطى لاتباع أمريكا كالإمارات ومصر مجالا اكبر ومساحة أوسع لتطبيق اجتهاداتهم بالمضي بعيدا في التقارب مع روسيا لان ذلك التقارب كان بالأساس مسموحا به الى ان اجتاحت القوات الروسية الأراضي الاوكرانية ذلك الاجتياح الذي انهى الآمال الامريكية والغربية في إمكانية ابعاد روسيا عن الدخول في حلف مع الصين.
في تلك الفترة – أي إدارة الرئيس ترامب والسماح بتقارب اكبر الروسي – حدث التفويض الغربي لروسيا بالتدخل عسكريا في سوريا لإنقاذ نظام بشار والقضاء على الثورة السورية والتي رأى الغرب انها تمس ضلعين على الأقل من الثالوث المقدس الذي يضم امن إسرائيل والحرب على الإرهاب وتامين مصادر الطاقة فقامت الطائرات الروسية بغطاء من الصمت الغربي بدك المدن السورية مما نتج عنها مئات الالاف من الضحايا وفيها حدثت أيضا الاستعانة بمرتزقة الفاقنر في محاولة حفتر السيطرة على العاصمة طرابلس في كأخر حلقة في مسلسل اجهاض الثورة الليبية التي كان من لطف الله بها انها حدثت في عهد إدارة ديمقراطية ولو حدثت في عهد الجمهورين وخاصة في ظل رئاسة اهوج مثل بوش او عربيد مثل ترامب فربما كان للأحداث شكل اخر.
شركة امنية ام احتلال عسكري
لكن تدخل الفاقنر في ليبيا تجاوز الاستعانة بشركة امنية لأغراض التدريب والدعم الفني واللوجستي وحتى الدخول في عمليات قتالية محدودة الى احضار منظومات صاروخية وطائرات مقاتلة مما لا يمكن ان يأتي الا من مخازن الجيش الروسي وهنا رأى المراقبون الامريكيون ان الامر تطور الى تهديد استراتيجي لمصادر الطاقة في ليبيا بل والى تحويل قواعد الجنوب الليبي الى مفاتيح للسيطرة على العمق الافريقي وبدأت تقارير الافريكوم والبنتاجون تصل تباعا لمكتب الرئيس الأمريكي محذرة من خطورة الوضع الا أن التعاطي معها لم يبدأ الا بعد استعادة الديمقراطيين بقيادة بايدن المكتب البيضاوي
ومع بدء الحرب الروسية في أوكرانيا بدا وجود الفاقنر في ليبيا يأخذ أهمية أكبر وخصوصا مع عجز حفتر عن التحكم في تحركاتهم على الأرض والذي بدى جليا في اسقاط دفاعات الفاقنر المتواجدة في قاعدة بنينة الجوية طائرة مسيرة للرصد والانذار كانت تحلق في سماء بنغازي لتامين زيارة السفير الأمريكي من اجل لقاء حفتر في 22/8/2022 ما نتوقع حدوثه في الفترة القادمة وفي ظل ازدياد حدة المواجهات في أوكرانيا مع انقضاء فصل الشتاء ودخول الربيع الذي يتوقع مراقبون ان يشهد هجوما أوكرانيا كبيرا لاستعادة كل المناطق التي احتلتها روسيا بما في ذلك شبه جزيرة القرم ان تواصل أمريكيا رص صفوف حلفائها في منطقة الشرق الأوسط وانهاء أي تهديد للفاقنر لمنابع الطافة في ليبيا وذلك عبر اجراء انتخابات يكون اولى مهما السلطات التنفيذية والتشريعية الناتجة عنها اخراج الفاقنر من ليبيا اما بخصوص حفتر شخصيا والذي تجنب الجميع بما فيهم باتيلي الحديث عن دوره المعرقل للحلول السلمية السابقة فسيتم محاولة دمجه في السلطة القادمة ليكون الرجل القوي في الجيش الذي يخشاه أي رئيس مدني منتخب ويكون جاهزا في حال تعرض المصالح الامريكية للخطر للانقلاب على أي سلطة منتخبة