
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد: نشكر الإخوة القائمين على هذه الندوة المباركة وأتمنى أن تنجح هذه الندوة لصالح الشعب الليبي بكل أطيافه وأتمنى أن تٌخرجوا من هذه الندوة بعض القرارات العملية المفيدة للشعب الليبي. ليست عندي ورقة فقط يمكن أن أذكر بعض النقاط التي أراها مفيدة ويبدو أن الإخوة الذين دعوني إلى هذه الندوة دعوني بناء على بعض التجارب السابقة التي خضتها في فترة من الفترات مع الإخوة الليبيين فعندما تعاملت مع الإخوة الليبيين اكتشفت أنهم أصعب الناس في التعامل لكن في نفس الوقت أطيب الناس في التعامل كيف استطاعوا أن يجمعوا بين هذين النقيضين الأمر يعود إليهم؛ اكتشفت أنهم أصعب الناس لأنهم يُكبّرون قضايا بسيطة جدا لديهم تنظير عالي مثقفون بدرجة أولى ممتازة لكن عندما يلتقي الأخ الليبي مع أخيه الليبي على طاولة واحدة سرعان ما يتفاهم أظن أسرع من أي شعب آخر هذا ما لاحظته بل عندما التقيت الأستاذ أحمد سرهود رحمه الله الذي كانت له باع ومساهمة كبيرة في خدمة الشعب الليبي عندما أدخلوني في المصالحة بين الزنتان ومصراتة أتذكر جيدا كان من الصعب أن يأتي أهل الزنتان إلى تركيا كانوا يشكون في كل التحركات التي نقوم بها لكن بعد أن أتوا إلى تركيا واستطعنا أن نرجو منهم أن يجلسوا على طاولة واحدة كل واحد كان يتهم الثاني أن هؤلاء مجرمون بعد ساعة واحدة فقط حل التفاهم كاملا في كل الملفات ونحن بقينا خارج اللعبة في كل الاجتماع وبعد ذلك سألت بعض الإخوة كيف استطعنا أن نصل إلى هذه النتائج الإيجابية في الاجتماع وتوقفت الحرب بينهم بعد أن كانوا يقصفون بعضهم بالطائرات وهم مسلمون فقالوا نحن هكذا الشعب الليبي إذا خرج الطرف الثالث من المعادلة نستطيع أن نتفاهم بكل سهولة واكتشفت أن الليبي عندما يلتقي مع أخيه الليبي يتفاهم بسرعة لكن هل يجلس الإخوة الليبيين مع بعضهم أم ينتظرون الأمم المتحدة والقوى الخارجية كي تحل لهم مشاكلهم؟
لست أدري لماذا عقدتم هذه الندوة لا أريد أن أزعج القائمين على هذه الندوة لكن ما هو المطلوب من هذه الندوة؟ أي قرارات تريدون أن تخرجوها من هذه الندوة؟ تجربتي مع الغربيين تختلف عن تجربة الإسلاميين الغربيون أصلا لا يجتمعون كثيرا ولا يجمعون عددا كبيرا من الناس من أجل حل القضايا أو المشاكل يكفي من سبعة إلى عشرة أشخاص يجتمعون يدرسون الموضوع بشكل تفصيلي يتخذون قرارات معينة يكفي يومين تخرج هذه القرارات النهائية وترسل إلى الجهات المعنية.. أما هنا فمن المعني بمخرجات هذه الندوة من الذي سيستمع إلى قراراتنا هل نحن نستطيع أن نرسل مخرجات هذه الندوة إلى أطراف الصراع لذلك يجب أن نفكر أيضا في طريقة عقد الندوات وأعتقد أنني لن أدعى إلى مثل هذه الندوات مرة أخرى لكنني أعتبر نفسي واحدا منكم أنا اخوكم في الله أنا أحبكم في الله.
الشعب الليبي شعب واحد إذا قارنا الشعب الليبي بالشعوب الأخرى نجد أن المقومات الأساسية للتفاهم أو القواسم المشتركة الموجودة في ليبيا لا توجد في أمم أخرى انظر إلى تركيا مثلا نحن مقسمون إلى درجة لا يمكن تصورها فنحن الآن مع ضيوفنا العرب أكثر من خمسة وثمانين مليون ونحن مقسمون إلى أديان وطوائف ومذاهب وأثنيات فقط في مدينة دوزجه أخبرني الوالي أنه توجد عندهم خمس وعشرون لغة في مدينة واحدة.. أنتم كم لغة تتحدثون في ليبيا؟ ما هي الأثنيات والأديان والمذاهب المتصارعة في ليبيا لا يوجد كلها صفر بالمئة جغرافيا واحدة تاريخ واحد قواسم مشتركة كثيرة جدا ماذا تريدون أنتم أيها اللبيون؟ تريدون حل الأزمة اجلسوا مع إخوانكم الذين يعادونكم هل تملك الجرأة كي تجلس مع أخيك الذي يعاديك؟ هذا السؤال الأول بدون التدخل الأجنبي التركي الروسي الأمريكي المصري الأمم المتحدة…
السؤال الثاني كم قدرتك أو جرأتك في التنازل هل تستطيع أن تتنازل لهذا المجرم الذي تراه أنت كذلك وهو كم يملك من الجرأة كي يتنازل لك هذه مبادئ أساسية في المصالحة.. سمعت كثيرا من الناس أثناء زياراتي لليبيا يتحدثون عن وجود مظالم في ليبيا وخاصة في العهد السابق لكن نحن نريد أن ننظر إلى الأمام ولا نبقى في التاريخ كل ما سمعناه عن التجربة التاريخية لكن كيف نستطيع أن ننزل التجربة التاريخية أو حكم النصوص من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على الواقع اليوم في ليبيا تعالوا نضع على الشاشة القرارات التي نتفق عليها عشرة أو عشرين قرارا من هذه الندوة طبعا لا يمكننا أن نحل جميع المشاكل العالقة في جلسة واحدة من أربع ساعات من الطبيعي جدا إذا تقاتل أفراد البيت الواحد مع بعضهم وعلت أصواتهم فإن الجيران سيتدخلون متسائلين ما الذي يحدث لكن إذا تصالح الأبناء في البيت الواحد وحاول الجيران أو القوى الأجنبية التدخل فأنتم ستقاومون ذلك أنا أخجل كمسلم وهذا ما قلته في أماكن أخرى من العالم الإسلامي مع الأسف نحن أغنى أمة في الأرض وأفقر أمة في الوقت نفسه والليبيون يمتلكون ثروات طبيعية كبيرة وإذا حلت هذه المشاكل فإن الشعب الليبي سيكون خلال سنوات قليلة أغنى شعب في الأرض ولكن كيف نستطيع أن نوزع هذه الثروات على الشعب الليبي؟ قد يكون كلامي مزعج أنا رجل أممي وإسلامي إلى العظم ولدينا أفكار مثالية كثيرة لكن حل الازمة للأمة لا يمكن أن يكون بدون وجود الأمة والآن لا توجد أمة في هذا الكوكب وبدون وجود الأمة لا يمكن أن تحل القضية الليبية لكن هل ننتظر أن نكون أمة حتى نحل الأزمة الليبية. يجب أن نبحث عن حلول مؤقتة أحيانا أتساءل هل يمكن أن نُخرج نلسن مانديلا واحد في الأمة الإسلامية الذي بقي في سجنه ثمان وعشرين سنة ولما خرج كان لديه قدرة شعبية كي ينتقم من الجميع لكنه لم يفعل ذلك لذلك استطاع أن يبقى ويستمر ويحصل على جائزة عالمية.
أنا أرى وربما أكون مخطئا فأنا لست عالما مثل بقية الإخوة أن كل القصص والسرديات التي نقرأها في أيام الجاهلية تنطبق علينا اليوم لذلك لا يمكن أن ننجح يعني عندما نضع شروطا مثالية أمامنا يصعب علينا التفاهم مع الآخر الأخ في الحقيقة وليس مع الآخر الغريب من ملة أخرى الآخر هنا في ليبيا هم إخواننا لكن بغَوا علينا لدينا تجربة مرة جدا في التاريخ هي استشهاد سيدنا عثمان أتذكرها دائما عندما أسمع عن أزمات في مثل ليبيا أو غيرها سيدنا عثمان قُتل مظلوما بلا شك لكن قتل سياسيا كما هو معروف لكن الذين جاؤوا بعده وكانوا يبحثون عن قتلته ويطالبون سيدنا علي بكشف هويات القتلة ومعاقبتهم بشكل سريع هم الذين سببوا مشكلة كبيرة فيما بعد ما الذي حدث وقعت مشاكل أكبر في موقعة الجمل وصفين وكربلاء سببها كلها البحث عن العدالة فالبحث عن العدالة تسبب بمشكلة أكبر فأكبر إذن أين الحل أنا افكر معكم وأطرح المشكلة ربما تكون هي جزءا من الحل لكن ليس عندي حل فعندما تبحث عن العدل وتأتينا مشاكل أكبر ماذا نفعل هل نصرّ على أن نأتي بمشاكل أكبر في بعض الأحيان يحدث هكذا هناك قاعدة أصولية وأنتم أدرى مني وأظن أننا يجب أن نتمسك بها وهي (ما لا يُدرك كله لا يترك جلّه) لكن من يطبق هذا تجربتنا في تركيا مررنا بمراحل عصيبة جدا عندما أتى حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بأكثرية ساحقة في عام 2002 كثير من الإخوة كانوا يضغطون على أردوغان أنه وعد ولم يفِ بوعده لأنه كان هناك مظلومون من الحكم السابق وأنا واحد منهم فقد سجنت ظلما دون أن أرتكب أي جريمة فالإخوة كانوا يطالبون أردوغان بمعاقبة الجنرالات الانقلابيين لكنه لم يفعل ذلك مباشرة بل أخرّ الموضوع كثيرا حتى جاء الوقت المناسب فأدخل جميع أولئك إلى السجن كانت لديه استراتيجية أنه لا يريد أن يحلّ جميع المشاكل العالقة مباشرة خذ مثالا آخر موضوع الحجاب الذي فيه آية قرآنية واضحة كلنا كنا نقول له أنت وعدت ولم تفِ لم تمنع حظر الحجاب في الجامعات لكن اليوم ليس فقط في الجامعات بل في كل مرافق الدولة حتى في الشرطة والجيش الحجاب مسموح أنا أقصد أننا نحتاج إلى الترتيب في حل الأزمات البحث عن الحل في مرة واحدة يمدد أمد المشكلة ويطيلها وتأتي التدخلات الإقليمية والدولية الكل ينظر إلى ليبيا لأنها كعكة جيدة الكل يريد أن يستفيد منها إلا الشعب الليبي تعالوا بنا نفكر كيف يمكن أن يستفيد الشعب الليبي من الثروات الموجودة في ليبيا نضع مشروعا مثلا كمصالحة وطنية ماذا يريد فلان وماذا يريد الآخر لكن بميزان معتدل مرة كنت أمازح أحد الإخوة الليبيين قائلا أهم شي أن الخزانة المالية في ليبيا يجب أن تكون شفافة جدا بمعنى أن يرى الوزراء أين يصرفون الأموال؟ ميزانية الدولة يجب أن تكون شفافة جدا وبالتالي لا يكون هناك أي عبث في الميزانية والشعب يرى أين تصرف الأموال فنحتاج إلى إعادة النظر في هذا الموضوع فالأخ الليبي أجاب مازحا فقال يا أخي لماذا إذن نحن ندخل في السياسة يعني أنت تريد أن تمنعنا من الاستفادة من تلك الأموال! فهذه إشكالية وهذا ما حدث في تركيا أيضا في فترة من الفترات فكل وزير كان يستعمل ميزانية الدولة في وزارته كما يريد فلا يبقى المال في خزينة الدولة وكانت بعض الوزارات تستدين من البنك الدولي لكن إذا كانت ميزانية الدولة شفافة والخطة الخمسية واضحة أين سيصرف المال فلن يستطيع أي مسؤول أن يعبث بالمال العام. تعالوا نضع خطّة نعطي فيها أملا للشعب الليبي نحن سنأتي مجموعة من البيروقراطيين (التكنوقراطيين) لمدة ثلاث سنوات لا نريد شيئا من السياسة الليبية لكن نريد فقط أن نأتي ببعض القرارات المفيدة للدولة الليبية. هل لدى الشعب الليبي أمل بالسياسيين الآن لا أعتقد حتى إن كلمة حزب وأحزاب أصبحت كلمة مغموزة في ليبيا مع أن الأحزاب مطلوبة اجتماعيا وديمقراطيا وإنسانيا لذلك أنا أتصور أن هذه المفاهيم تحتاج إلى مراجعة.
أتمنى أن يضع المفكرون الليبيون خطة عملية حتى لو لم تطبق حول الأمن في ليبيا؟ ما هو التصور عن مستقبل التعليم في ليبيا؟ ما المشاريع التي ستطبق في مجال الصحة؟ كيف سنؤمن فرص عمل للشباب الليبي؟ كيف سنوزع الثروات على الشعب؟ فإذا استطعنا أن نطور مشروعا عمليا بهذه الطريقة يجد فيه كل واحد منكم ضالته فيه فقد يكون ذلك جزءا من المصالحة الوطنية.
في إحدى المرات قال لي أحد الإخوة إن فلانا لديه حل للمشكلة الليبية فذهبت إليه وجلست معه وكان سكران هو رجل مشهور جدا في تركيا قلت له سمعت أن عندك حلا للأزمة الليبية فأجاب الحل بسيط جدا لو كان عندي مال كثير سأشتري بثمن غالي كل الأسلحة الموجودة في ليبيا لنفسي ثم أدفنه في قاع البحر الأبيض المتوسط فلا يبقى أي سلاح في ليبيا خاصة أنها ليست مهددة من قبل جيرانها في تونس أو مصر أو غيرها ليبيا مهددة داخليا شعبيا فقط تهديدها من الداخل أكثر من التهديد الخارجي ثم سألته وماذا تستفيد أنت من هذه المبادرة يقول هؤلاء عندهم مال فسأدخل كل الشباب المقاتلين إلى الشرطة والجيش وأعطيهم راتب عالي فلا يبقى أحد منهم عند أمراء الحرب لكن أنا الذي سأدفع لهم راتب أكثر من غيرهم فلماذا سيذهبون إلى القتال أصلا؟ فقلت له كيف تربح أنت: فقال سأبيع أسلحة جديدة للجيش وآخذ منهم المال.. تخيلوا السكران هكذا يفكر وأنا أريد العقلاء من الإخوة أن يفكروا بطريقة أحسن من هذا السكران. والسلام عليكم.