
إن انتصارات السلام ليست أقل مجدا من انتصارات الحروب. تعتبر المجادلة بالتي هي أحسن والحوار المباشر مع أي طرف مخالف لنا في الرأي أو الفكر هي الوسيلة الاساسية التي حثنا عليها كتابنا العزيز وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (وجادلهم بالتي هي أحسن) لذلك يبقى الحوار وسيلة لا مفرّ منها كي نصل إلى سلام عادل يشمل جميع أبناء الوطن ويحقق لنا الحرية والتقدم والازدهار لنا وللأجيال القادمة ولكي يكون الحوار صادقا وفاعلا علينا أن نتلمس الأسباب الحقيقية للنزاع والصراع سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وأن نفكر في وضع الخطط التي تعالج هذه المشاكل والأزمات ونضع لها الحلول التي تحقق النجاح للقضاء على هذه الأزمات.
إن الحوار الصادق والمباشر هو أول الخطوات العملية لمفهوم المصالحة الوطنية ومن خلاله يمكننا تحديد نقاط الاختلاف والنزاع ومن بعدها تأتي مرحلة إيجاد الحلول والتي يجب أن تكون بالمشاركة والنقاش بين الفرقاء ولكن يبقى لدينا سؤال مهم وأساسي لتحقيق كل ذلك وهو هل نحن فعلا صادقون في رغبتنا للوصول إلى السلام والمصالحة لأن هذه أهم عوامل نجاح الحوار والمصالحة الوطنية في عديد الدول التي شهدت صراعات مسلحة دموية وشرسة أكثر من ما يحدث في وطننا ليبيا الآن يدفعنا ويشجعنا كي نسلك هذا السبيل ونتلمس النجاح فيه لأنه لا سبيل لنا للسير في طريق الحروب والنزاعات مقدمين شباب الوطن وعدة نهضته ومستقبله وقودا لهذه الصراعات التي خلّفت لنا المآسي والمعاناة في جميع مناحي حياة المواطنين وخلقت لنا المشاكل الاجتماعية والأمنية والاقتصادية التي رسمت آثارها على حياة المواطن وزادت من معاناته.
إن الصراع والنزاع لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية فلكل أطراف الصراع إمكانيات وقدرات ولكن لا يمكن أن تستمر إلى الأبد وسيأتي الوقت الذي نقف فيه جميعا منهكين محطمين على بقايا رفات وطن فإذا أيقنّا أننا سنصل إلى هذا اليوم فلماذا لا نقف الآن ونبدأ بالحوار والصلح بدلا من تقديم المزيد من الوقود لهذه الحرب من شباب وأموال ومعاناة ودمار؟ إن الحوار منذ الآن قد لا يصنع المستحيل ولكنه يفتح لنا طريقا للوصول إلى النجاح مستقبلا.
الأمن والمصالحة:
إنه من المسلمات التي تعلمناها جميعا كبيرنا وصغيرنا عالمنا وجاهلنا أن الحرب والصراع تعني مفهوما مرادفا لها دائما وهو الخوف وعدم الأمن لذلك عند انطلاق أي صراع مسلح ينفلت الأمن ويختفي القانون وتسود لغة القوة والسيطرة وعندها يختفي العدل وينشأ الظلم وتضيع الحقوق وتسلب الممتلكات ويظل المواطن خائفا على نفسه وأسرته وبيته وربما انقطع عمله وقلّ دخله فيدخل في ضائقة ومعاناة اقتصادية واجتماعية مما يجعله عاجزا عن الوفاء بالتزاماته الأسرية والتي بدورها تسبب له عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي فنجده مواطنا محطما نفسيا ومعنويا مما يجعله عرضة للانخراط في النزاع المسلح ليس لأهداف مقتنعا بها أو مبادئ يحملها كي يدافع عنها ولكن فقط هروبا من وضع اقتصادي واجتماعي سيء لم يجد طريقا للخروج منه إلا بحمل السلاح والانخراط في الصراع مقابل قيمة مادية يتلقاها وقد يؤدي هذا الطريق إلى نهايته أو إعاقته.
وأوجد الصراع أيضا أجهزة وإدارات أمنية منقسمة وأحيانا متنافسة على مناطق النفوذ مما سهل تنقل المجرمين وتغييب المعتقلين بل التطاول على الأجهزة الأمنية وإعاقة عملها والاستيلاء على ممتلكاتها وانعدم الأمن لدى رجال القضاء فتعطلت القوانين والأحكام بل وصل الأمر إلى إطالة البت في القضايا الكبيرة خوفا من تعرض رجال القانون من قضاة وغيرهم إلى التهديدات المباشرة وغير المباشرة مما شجع المجرمين على التطاول والاستمرار في جرائمهم دون رادع ولم يسلم رجال الدولة من انعدام الأمن بحيث أصبحوا عرضة للابتزاز المباشر وغير المباشر وأصبح المسؤول في الدولة يخشى على نفسه وأسرته من انعدام الأمن والقانون وعليه من خلال سردنا السابق يتضح لنا أن المصالحة الوطنية قبل أن تكون مطلبا ليبيا يجب أيضا أن تكون مطلبا إقليميا تساهم وتشارك فيه دول الجوار لأن استمرار الصراع في ليبيا هو استمرار للأزمات بجميع أنواعها في ليبيا والدول المحاذية لها. إن الأمن والاستقرار لن يتحقق إلا بمصالحة حقيقية نابعة من نوايا صادقة هدفها الوطن أولا فإذا تحققت المصالحة وجعلناها هدفا استراتيجيا لنا كأفراد ومؤسسات ووزارات وحكومات عندها يتحقق الأمن والسلام فإذا تحقق الأمن سيعود الوطن ليرتفع من جديد ويضبط قيمه وأخلاقه. إن أمن ليبيا والمحافظة عليها دولة قوية واحدة تبدأ من المصالحة. إن استقرار المنطقة ودول الجوار يبدأ من المصالحة. إن التنمية والحرية والعدالة تبدأ من المصالحة وإن النوايا الصادقة وتقديم مصلحة الوطن أساس المصالحة.