الحدثُ الأسبوعي:
تداعيات انقلاب الخامس والعشرين من جويلية:
-أنتوني بلينكن وزير الخارجيَّة الأمريكي في جلسة استماع من أجل الموازنة أمام الكونغرس عبَّر عن قلقه الشديد لما يحدثُ في تونس طوال السنة الماضية،وقال: نريد أن تعود تونس للطريق الديموقراطي، كما نشجِّع الحكومة بشدَّة بشأن توقيع اتِّفاق مع صندوق النقد الدولي، لأنَّ اقتصادها يواجهُ خطر الانهيار.
-من جانبه حلف شمال الأطلسي-النيتو- يعلنُ استعداده للتدخُّل في حالة حدوث أيِّ طارئ في تونس من أجل إيقاف موجات الهجرة المتوقَّعة حال الانفلاتِ، وقد ذُكر الخبر في الصحافة الإيطاليَّة- المعنيَّة أكثر من غيرها بملفِّ الهجرة البحريَّة غير النظاميَّة-
-تبُّون رئيس الجزائر بدوره لم يتأخِّر في الانخراط في السيل الدافق من التصريحات الدوليَّة الطارئة حول تونس هذا الأسبوع، فقد صرَّحَ بأنَّ تونس تتعرَّض لمؤامرة، وأنَّ الجزائر ستقف معها-أي مع المنقلب- أحبَّ من أحبَّ وكرهَ ومن كرهَ.
للتذكير فإنَّ الجزائر تدعم منذُ مدَّةٍ-منذ الانقلاب- قيس سعيِّد المنقلب من أجل الاستمراريَّة-بدون ديموقراطيَّة- وقد تكفَّلت بأقساط من أجور الوظيفة العموميَّة في تونس في أكثر من مناسبة، ولا تخفى الأيادي الطائلة للمخابرات الجزائريَّة في تونس-الفرنسيَّة-فكما هو معلوم فقد دعَّمت الجزائر مثلًا انقلاب ابن علي على بورقيبة في ثمانينات القرن المنصرم صحبة المخابرات الإيطاليَّة، وقد ظهرت العديد من الكتب والمقالات أخيرًا لتكشف هذا الشقَّ الغامض من التواجد القوي الجزائري داخل تونس، المتجاوز لشعار الجزائر وتونس -خاوه خاوه-كما يقالُ باللهجة الجزائريَّة.
علما وأنَّ الجزائر أيضًا، أو شقًّا من السلطة كانِ لوقتٍ قريبٍ داعمًا أساسًا للانتقال الديموقراطي السلس في تونس-الشقُّ العروبي في الجيش، أو في المخابرات العامَّةِ على وجهِ الخصوصِ في تنافس حادٍّ مع المخبارات العسكريَّة-، بما يفتح الباب للحديث عن الدولة العميقة الجزائريَّة المتعدِّدة المختلفة المتناحرة ، وغير المتِّفقة على أغلب الملفَّات سواء الداخليَّة كمنصب الرئيس، والتعامل مع المعارضة، والانفتاح على الديمقراطيَّة غير الشكليَّة ،وكذلك حول الملفَّات الإقليميَّة، والموقف من انقلاب قيس سعيَّد، وكذلك الموقف من التصعيد بدون أفق مع الجار المغربي، ودوليًّا حول العلاقة مع المستعمر السابق فرنسا، أو دعم العلاقات مع أمريكا العائدة بقوَّة لإفريقيا، أو الذهاب بأكثر عمق وأكثر جدِّيَّة مع الروس أو حتَّى الصينيِّين، وقد ظهرجليًّا التخبُّط في تعامل الخارجيَّة الجزائريَّة مثلًا مع مثل هذه الملفَّات-ربَّما هذا ما يفسِّر استغناء تبُّون عن وزير خارجيَّته المخضرم رمطان العمامرة-، حتَّى أنَّها ضخَّت مليار دولار في إفريقيا جنوب الصحراء من أجل صناعة وجود قوي لها ربَّما هي في حاجة ماسَّة لتضخَّه في الداخل الجزائري أكثر الذي يشهد نقائص ضخمة في البنية التحتيَّة والاستشفائيَّة منها وليس لوحدها بالتأكيد.
-رئيسة الوزراء الإيطاليَّة جورجا ميلوني تعلن وعلى الملأ بأنَّها طلبت من إسرائيل التدخُّل من أجل إعانة تونس، حسبما ذكرت ذلك صحيفة أيل فوليو الإيطاليَّة فيما يشعر بتسابق الجميع من أجل ألَّا يسقط الانقلاب وقد خسر جميع أوراقه على الأرض وأهمُّها الورقة الاقتصاديَّة،فهل يسمح لإسرائيل بتواجد معلن وقوي في تونس، قد يهدِّد مثلًا المشروع الديموقراطي الوليد في ليبيا غير المستقرَّة؟
وقد ذكرت ميلوني أيضًا بأنَّ احتمال انهيار تونس اقتصاديًّا أمرٌّ يتعذَّر معالجتهُ، لأنَّ صندوق النقد الدولي علَّق المفاوضات.
بدورها إذاعة موزياييك نشرت استبيانًا حول الوضع في تونس مؤدَّاهُ، وأنَّه في حدود الثمانين بالمائة من التونسيِّين يعتبرون وأنَّ البلاد في طريق الخطأ.
الاتِّحاد الأوروبِّي كلَّف وفدًا رفيع المستوى يوم الثلاثاء بزيارة تونس والتباحث مع المسؤولين والمجتمع المدني، وغير ذلك من الهئيات-وربَّما الأحزاب والشخصيَّات السياسيَّة المعارضة- من أجل تقييم الوضع على الأرض ورفع تقرير للاتِّحاد.
الوفد سيقيِّمُ الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالبلاد ومحاولة تقديمه رؤية لكيفيَّة تدخُّل الاتِّحاد الأوروبِّي للدعم الأفضل للشعب التونسي في الوضع الراهن
الوفد يرأسه غيرت جان كوبمان المدير العامُّ لمفاوضات الجوار والتوسُّع، ويضمُّ كلًّا من جوهانس لوشنر نائب المدير العامِّ للهجرة، ولويجي سوريكا المبعوث الخاصِّ للجوانب الخارجيَّة للهجرة، وقد برمجت الزيارة لتشمل كلًّا من وزير الاقتصاد والتخطيط ووزير الشؤون الاجتماعيَّة ووزير الطاقة ووزير الدولة للشؤون الخارجيَّة، وممثِّلين عن وزارة الداخليَّة، وليس مع وزير الداخليَّة على غرار باقي اللقاءات، وكذلك استثنت وزارة العدل من اللقاءات لموقف الاتِّحاد نهاية الأسبوع الفارط من الوزارتين، وهو ما أشرنا إليه في التقرير رقم واحد، لاعتبار الوزارتين ذراعًا للمنقلب خاصَّة في كلِّ ما يتعلَّق بالمساس بحقوق الإنسان وبالحرِّيَّات الشخصيَّة.
-من المتَّفق عليه إذن مع بدايات هذا الأسبوع، وأنَّ كلًّا من الأمريكان والاتِّحاد الأوربِّي يعتقدان، وأنَّه لا يمكن عقد أيَّ اتِّفاقيَّات جديدةٍ، أو وجود سبل لدعم تونس إلَّا بعد أن توقِّع اتِّفاقا ملزمًا مع صندوق النقد الدولي، وبدوره صندوق النقد الدولي يعلِّق التفاوض مع تونس إلى أجل غير مسمَّى بما يشبه وأنَّ البلد قد دخلت في نفق اللاعودة.
-بوريل يقول أمام سفراء الخارجيَّة بالاتِّحاد الأوروبِّي إنَّه يخشى من انهيار تونس المفاجئ بما يهدِّد الاتِّحاد بتدفُّق المهاجرين نحوه، والتسبُّب في عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وشدَّد على أنَّ الرئيس سعيِّد يجب أن يوقِّع مع صندوق النقد الدولي-بشروط الصندوق مهما كانت مجحفة في حقِّ البلد- وينفِّذ الاتِّفاق، وإلِّا فإنَّ الوضع سيكون خطيرًا للغاية بالنسبة لتونس.
كما صادق البرلمان الأوروبِّي على قرار يلزم تونس بضرورة الإفراج على جميع المعتقلين السياسيِّين، واحترام حرِّيَّة التعبير.
-الرئاسةُ تتخبَّطُ:
-داخليًّا قيس سعيِّد كما سبق وتوقَّعنا في الأسبوع الماضي لمَّا زار هيئة الصلح الجزائي وغيَّب رئيسها عن المشاركة في اللقاء، فقد اعتبرنا حينها وأنَّ إقالة رئيسها أصبح مسألة وقت فقط، اليوم الرئاسة تعلن إقالته بدون ذكر من سيخلفه على رأس تلك الهيئة المنصَّبة بديلًا للقضاء من أجل أن تبتزَّ رجال الأعمال تحت مسمَّى الصلح الجزائي خارج دائرة القضاء، وقد أعلن قيس سعيِّد بنفسه أنَّ اللجنة لم تفلح في غلق أيِّ ملفٍّ مع أيِّ رجل أعمال، لأنَّ الأمر بباسطة خارج دائرة القضاء، ولن يجد أيَّ رجل أعمال أيَّةَ ظمانة من أجل أن يتصالح رسميًّا مع الدولة.
-التصعيدُ الأمني المرتقب:
-قيس سعيِّد يعلنُ تعيين الوجهَ اليساري الموالي له كمال الفقيه والي تونس العاصمة وزيرًا للداخليَّة خلفًا للوزير المقال توفيق شرف الدين، فيما يُقرأ من تعيين هذه الشخصيَّة المتطرِّفة والعنيفة بأنَّنا ننتظر في الفترات القادمة تصعيد قيس سعيِّد ممارساته العنفيَّة والقمعيَّة تجاه المعارضة عبر وزيره الجديد للداخليَّة.
-اتِّحادُ الشغل تحتَ العصا:
السلطةُ تواصل هرسلة اتِّحاد الشغل من أجل إدخاله إلى بيت الطاعة، وقد حاول أخيرًا أن يبتعد عن فلك انقلاب قيس سعيِّد،وأن لا ينخرط في هوس بيع المؤسَّسات العموميَّة الكبرى استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي من أجل الدعم والإقراض، وأن يقترب من المعارضة أكثر، وفي هذا الإطار فإنَّ احدى الدوائر بمحكمة تونس الابتدائيَّة قضت بسجن العديد من النقابيِّين وعلى رأسهم كاتب عام نقابة النقل وجيه الزيدي، وقد تقدَّم ضدَّهم وزير النقل بشكاية من أجل تعطيل المرفق العامِّ-أي الإضراب الشرعي-
-تداعيات اعتقال القاضي العكرمي:
-مازال ملفُّ قضيَّة القاضي المتميِّز البشير العكرمي يلاقي تفاعلات دوليَّة هامَّة في سياق استهجان إيقافه عوض تكريمه لما بذله من جهدٍ في سبيل تفكيك شبكات الإرهاب، وفي هذا الإطار طالبت هيومن رايتس بدون حدود من جوزيب بوريل الدفاع العاجل عن استقلال القضاء بتونس، وظمان حياديَّة ذلك المرفق، وكذلك الضغط من أجل إطلاق سراح القاضي البشير العكرمي القابع بسجون سعيِّد بدون تهمة ما عدى أنَّهُ قد وضع يده كما يقالُ في عشِّ الدبابير.
-ثقافيًّا:
-أثار المسلسل التلفزيوني الذي انطلقت قناة الحوار التونسي في بثِّه في مستهلِّ شهر رمضان في وقت الذروة-في السهرة- موجة غضب عارمة على السوشيال ميديا، وذلك للبعد اللاأخلاقي للمحتوى، كما درج على ذلك المنتج والمخرج وصاحب القناة سامي الفهري، الخارج لتوِّه من السجن في قضايا فساد كبيرة لم تحسم في حقِّه ، وقد خرج أو أخرج من أجل لعب نفس أدواره القذرة في تعكير الصفو العامِّ للبلاد حتَّى يتيح للساسة المتحكِّمين في مفاصل الدولة تحريف الرأي العامِّ عن قضاياه الأصليَّة كالحرِّيَّات واستقلال القضاء والعودة بالمسار الديموقراطي إلى طريقه، وقد رفع محاميان شهيران قضيِّة استعجاليَّة من أجل سحب المسلسل من البث.
-البرلمان التونسي يضعُ البرلمان الأووربِّي في حجمه الحقيقي:
-في ردِّه على المواقف الأخيرة الحازمة والحاسمة من أعلى هرم البرلمان الأوروبِّي تجاه الوضع المتردِّي في تونس السياسي والاقتصادي إبراهيم بودربالة العميد السابق للمحامين والرئيسُ الحالي لبرلمان المنقلب قيس سعيِّد يدعو البرلمان الأوروبِّي إلى أن يصلح نفسه قبل أن يصلح غيره، وهو يرى ألَّا مجال للتدخُّل من أيِّ جهة كانت في الشأن الداخلي التونسي.
–ايرانُ على خطِّ الأزمة:
وقع تسريب وثيقة خطيرة هذا الأسبوع، وهي في شكل مراسلة سرِّيَّة من القنصليَّة العامَّة التونسيَّة إلى أمير لواء خالد اليحياوي مدير عام الأمن الرئاسي، يخبرُ الأخيرُ فيها بأنَّ لقاء تمَّ بين مسؤولين تونسيِّين-القنصل العامُّ خصوصًا- ومسؤولين إيرانيين في باريس-السفير والملحق العسكري صحبة اثنين من ضبَّاط المخابرات الإيرانيَّة
تناول اللقاء جملة من النقاط للنقاش من بينها طلب الإيرانيِّين من الشق التونسي إقالة وزير الداخليَّة توفيق شرف الدين، لأنَّه يسير عكس توجُّهات الرئيس قيس سعيِّد، وقد أقيل توفيق شرف الدين فعليًّا كما ذكرنا،كا تناول اللقاء تخوَّف الإيرانيِّين من تعاظم الدور الاستخباراتي المصري في تونس.