– تونس في أسبوع

-الاقتصاد-الفلاحة-السياسة:

 نقلًا عن عضو المكتب التنفيذي للاتِّحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري محمد رجايبيَّة المكلَّف بالزراعات الكبرى، فإنَّ محصول الحبوب هذه السنة لن يتجاوز 3،5مليون قنطار وهذه النسبةُ أقلُّ من نصف محصول الموسم الفارط، والذي قُدِّر ب4،7 مليون قنطار.

وحسب ما أعلنهُ ديوان الحبوب السنة المنصرمة 2022فإنَّ استهلاك تونس من الحبوبِ يقدِّربـ 3،4ملايين طن(1،2مليون طنٍّ لكلٍّ من القمح الصلبِ والقمحِ الليِّن، ومليون طنٍّ شعير).

ويبلغُ إنتاجُ تونس من الحبوب8،1 ملايين قنطارٍ في 2021 منها 7،5  ملايين قنطار من القمح الصلب، والبقيَّة من القمح الليِّنِ والشعير، وتضطرُّ الدولة سنويًّا لإكمال النقص من الأسواق الروسيَّة والأكرانيَّة عادة، ومع شحُّ السيولة في البلاد، ومع الحرب الروسيَّة الأكرانيَّة، و التي تسبَّبت في رفع السعر العالمي للحبوب، بل وجعلت الحصول عليه يحتاج لجهد كبير، وموارد ماليَّةٍ ضخمة، أصبحَ من العسير أن تغطِّيَ السلطاتُ التونسيَّةُ مثل هذا النقص،وقد رفض البنك الفلاحي-تابع للدولة- في أكثر من مناسبة تغطية عجز ديوان الحبوب في اقتناء سفن رست في المواني التونسيَّة لمددٍ متفواتة، وهي تشترط الدفع قبل تفريغ حمولتها، ممَّا اضطرَّها لمغادرة المواني التونسيَّة لوجهات أخرى.

للعلم فقط فإنَّ صندوق النقد الدولي قد حذَّر البنوك العموميَّة الثلاث، ومنها البنك الوطني الفلاحي من مغبَّة التورُّط في تمويل الميزانيَّة التونسيَّة-2023- العاجزة أساسًا، وفجوة عجزها لا يمكنُ تغطيتها من أيِّ جهة ماليَّة أمام رفض صندوق النقد الدولي إدراج ملفِّ تونس لطلب القرض ولو لمجرَّد المناقشة، وقد أنزلت لاحقًا وكالة موديز للتصنيف الائتماني-البنكي- تصنيف البنوك العموميَّة الثلاث لأنَّها تورَّطت تحت ضغط قصر قرطاج في دعم الميزانيَّة فوق طاقتها ممَّا قد يهدِّد بانهيار المنظومة البنكيَّة التونسيَّة.

حجَّةُ البنك القومي الفلاحي في رفض دعم ديوان الحبوب أنَّ ديون ديوان الحبوب-التابع للدولة- قد تجاوزت ال3000مليار من الملِّيمات، ممَّا سيوقعُ البنك في حالةٍ من العجز إذا استمرَّ في دعمه وإقراضه،وهو الرقم نفسه أو أكثر منهُ قليلا ممَّا للبنك الوطني الفلاحي كدين لدى ديوان الزيت-العمومي أيضًا-، لذا رفض البنك أيضًا تغطية تكلفة أكثر من سفينة محمَّلة بالزيت النباتي اشترطت كمثيلتها صاحبة حمولة الحبوب الدفع الفوري، ممَّا اضطرَّها للمغادرة.

ونحن نرى بأنَّ الإقالة المفاجئة منذُ شهر تقريبًا للرئيس المدير العامِّ للبنك الوطني الفلاحي تأتي في سياق إزاحته من رئاسة البنك-الذي أعلن في السنة المنصرمة 2022 عن أرباح ناهزت الأربعمائة مليار من الملِّيمات، رغم أزمات البلاد وخاتمة أزمة الكورونا- من طرف من يقود البلادَ سواءٌ القصرَ أو من وراء القصر، للتصرُّف في موارد البنك  الوطني الفلاحي دون رقيب ولا حسيب،مثلما فعل بمدَّخرات البريد التونسي، وقد أخذ منه في حدود ال800مليار من الملِّيمات على شكل قرض بدون أفقٍ للسداد، ممَّا يهدِّدُ أيضًا بانهيار المنظومة البريديَّة في أيَّة لحظة، وممَّا ينذر بدخول تونس لاحقًا أيضًا في أزمة بنوك كمثيلتها اللبنانيَّة.

 وعلى ما قدَّمنا من واقع إنتاجي متردِّي ومخيف، وتحليلُ أسبابه يحتاجُ لورقةٍ منفصلةٍ قام  الاتِّحاد الأوروبِّي بدعم تونس-على شكل هبة- بالقمح في الفترات السابقة، في أكثر من مناسبة، وهذا الأسبوع صرَّح السفير الأمريكي في تونس بأنَّ بلاده قرَّرت أن تهب تونس العديد من الشحنات من القمح في الأسابيع القادمة لتغطية العجز المنتظر في هذه المادَّة الأساسيَّة

ويستغربُ البعض من هذا الموقف الأمريكي الداعم في ظاهره للدولة رغم الموقف الحاسم والحازم الأمريكي من مشروع قيس سعيِّد، وقد طالبوه في أكثر من مناسبة بأن يحترم النظام الديموقراطي بالبلد، وأن يعيد المؤسَّسات الدستوريَّة وعلى رأسها البر لمان إلى سالف دورهِ ونشاطهِ إلَّا أَّنهُ رفض مطالبهم، ودخل معهم في خصومات خرجت للعلن في أكثر من مناسبة.

السفير الأمريكي بتونس يعلنُ الدعم-الغذائي- وكأنَّهُ استباقٌ من دولتهِ للحفاظ على تونس من السقوط في أزمة غذاء، وهذا هو المتوقَّعُ حسبَ الخبراء وفي أسرعِ ما يكون، ومع موقف سفير أمريكا أو موقف دولتهِ نرى في الأسبوع نفسه عددًا من أعضاء الكونغرس الأمريكي يرسلون رسالة موقَّعة إلى وزير الخارجيَّة بلينكن، يُدينون فيها أعمال قيس سعيِّد اللاديموقراطيَّة وتدعوهُ فيها للعمل من أجلِ إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيّين، وكذلك تطالبهُ فيها بتعطيلِ كلِّ التمويلات لتونس بما في ذلك تعطيل أيِّ اتِّفاق مع صندوق النقد الدولي، علمًا بأنَّ أمريكا خفَّضت للنصفِ المساعدة العسكريَّة السنويَّة لتونس منذُ انقلاب قيس سعيِّد، وجمَّدت أغلب المساعدات الأخرى، إلَّا أَّن الأزمةَ حسب العقل الأمريكي تحتاج لأكثر تعقُّل لذا صرَّح  السفير بأنَّ أمريكا ستموِّلُ في الفترات القادمة العديد من بواخر القمح لصالح الشعب التونسي.

-برلمان بدون كتل:

-على غير عادةِ البرلمانات في العالم حتَّى في النظم الديكتاتوريَّةِ فإنَّ برلمان قيس سعيِّد لم يسمح لهُ الرئيسُ الملهمُ عبر المراسيم بأن يشكِّلّ كُتلًا حزبيَّةً، وذلك لعدم إيمان الرئيس بكلِّ ما هو نشاط حزبي، كما صرَّح بذلك في أكثر من مناسبة،وفي السياق نفسه فإنَّ العميد السابق لعمادة المحامين، والرئيس الحالي للبرلمان ابراهيم بودربالة رأى بأنَّ البرلمان كلَّهُ سيعمل ككتلة واحدةٍ من أجل الصالح العامِّ، ولم يوضِّح ما معنى ككتلة واحدةٍ، فهل سنشهد مثلا في قادم الأيَّام برلمانا فيه التصويت على المشاريع بنسبة تساوي المائة بالمائة.

حقوقُ الإنسان:

بعد أن تمَّ إيقافُ عميد المدوِّنين الأحرار الطبيب المقعد الصحبي العمري على خلفيَّةِ ظهوره على قناة الجزيرة في برنامج ما خفيَ أعظم للصحفي الاستقصائي ثامر المسحال، واتِّهامه بالحجج والأدلَّةِ لمؤسَّسة الحرس الوطني-الدرك- في حقِّ آمرها العامِّ السابقِ ووزير الداخليَّةِ السابق أيضًا لطفي ابراهم، وكبار الضبَّاط في سلك الحرس الوطني بأنَّهم كانوا وراء صناعة الإرهاب في تونس من أجل السيطرة على الأجهزة الأمنيَّةِ، ولاحقًا السيطرة على باقي مفاصل الدولةِ، وقد تمَّ الإفراج عن الدكتور الصحبي يوم29 مارس 2023 من طرف قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب.

-النيتو على خطِّ الأزمة:

-عبَّر الأمينُ العامُّ لحلف شمال الأطلسي –النيتو- ينس ستولنبرغ عن قلقهِ من احتماليَّة  إفلاس تونس خلال بضعة شهور، وقد أكَّد استعداد الحلف من أجل منع تدفُّق المهاجرين التونسيِّينَ الغير شرعيِّين في اتِّجاه أوروبَّا.

-الحراكُ الثوري:

صرَّح رئيس البرلمان، ورئيسُ حركة النهضة من مقرِّ اعتصام جبهة الخلاص المطالبة بإطلاق سراح جميع المعارضين السياسيِّين الذين اعتقلهم قيس سعيِّد بفبركة تُهمٍ في حقِّهم من بينها تكوينهم لوفاق إجرامي الهدف منه الانقلاب على رئيس الجمهوريَّة.

 قلنا بأنَّ رئيس البرلمان صرَّح بأَّن حلَّ المجالس البلديَّةِ المنتخبةِ كشف  الكذبة التي يروِّجُ لها الرئيس بأنّ النظام القاعدي-المشروع السياسي لقيس سعيِّد- الأشبه بمشروع اللجان الثوريَّة في حقبة ما قبل الثورة الليبيَّة- سيقوم بتوزيع السلطة بين الجميع، فقد احتكر قيس سعيِّد جميع سلطات المجالس البلديَّة المنتخبة بعد حلِّها، وجعلها مباشرة تحت تصرُّف الوالي- المحافظ- ممَّا جعلها جميعًا تحت سلطته المباشرة.

-مفواضاتٌ حول الأزمةِ في تونس:

-وزير الخارجيَّة الأمريكي بلينكن يتحادث من نظيره الإيطالي حول الأزمة التونسيَّة ويتَّفقان على تفاصيل وتدابير تجاهَ الملفِّ التونسي من أجل العودة بالبلاد إلى مسارها الديموقراطي، هذا رسميًّا، ورسميًّا أيضًا فإنَّ وزير الخارجيَّة الإيطالي صرَّح منفصلًا عن لقائه ببلنكن بأنَّ إيطاليا لن تسمح بوجود حكومة إخوانيَّة في تونس، وكأنَّهُ يشير بوضوحٍ إلى أنَّ إيطاليا أو الاتِّحاد الأوروبِّي بشكل أو بآخر كانوا وراء الانقلاب الذي أطاح بحكومة الثورةِ، والتي كانت فيها حركة النهضة لاعبًا أساسًا، وتتحمَّلُ رئاسة البرلمان فيها، والحزبُ الأكبر في البلادِ، وكذلك وكأنَّهُ يشير إلى أَّن إيطاليا خصوصًا لن تتخلَّى عن قيس سعيِّد مهما كان الثمن، لأنَّ التخلِّي عنهُ يعني آليًّا رجوع حركة النهضة للحكمِ، أو أَّن البديل إن صحَّ الحديث عن بديلٍ يجبُ ألَّا يعيد الكورة إلى ملعب حكومات الثورةِ وعلى رأسهاحركة النهض، وللعلم فإنَّ إيطاليا قد شرعت منذ القديم في التدخُّل في الشأن التونسي والسيادي والأمني منه على وجه الخصوص، وقد كُشفَ في كتاب مجموعة الإنقاذ الوطني بأنَّ إيطاليا قد اتَّفقت منذُ سنة 1984 على تنحية بورقيبة من على كرسي السلطة في قرطاج مع الجزائريِّين، والبحث عن بديلٍ حتَّى استقرَّ الأمرُ على اختيار الجنرال ابن علي، فدعِّمَ لوجيستيًّا من أجل انقلاب السابع من نوفمبر 1987 وقد أعدَّت المخابرات العسكريَّة الإيطاليَّة طائرتين عسكريَّتين في مدرج مطار العوينة العسكري على أهبة الإقلاع من أجل تهريب ابن علي ومن معه إذا فشلت خطَّة تنحية بورقيبة، ولاحقًا تمَّ إقالةُ رئيس المخابرات الإيطاليَّة من طرف البرلمان الإيطالي لمَّا فتحت مساءلة فيهِ عن جدوى التدخُّل في الشأن الأمني لدولة مستقلَّة، وقد صرَّح رئيس المخابرات العسكريَّة بأنَّه تلقَّى الأوامر مباشرة من كراكسي، والأخيرأي كراكسي أتمَّ بقيَّة حياته في الحمَّامات في تونس إلى أن توفِّي ودفن فيها.

-أزمةُ مياهٍ في الأفق: أصدر اليوم وزير الفلاحة والصيد البحري عبد المنعم بالعاتي قرارًا يمنعُ بموجبهِ تحت طائلةِ القانون من استعمال مياهِ الشرب في سقي المحاصيل الفلاحيَّة، وكذلك في غسيل الشوارع وغسيل السيَّارات، والخطير في الأمر هو إعلانهُ-أمرٌ ملزم- بأَّن المياه التي يتمتَّعُ بها المواطن التونسي في حنفيَّةِ بيته ستصله ابتداء من إعلان هذا القرار بنظام الحصص، أي ستشهد البلاد انقطاعات في مياه الشرب منتظمة ودائمة على مستوى جميع ولايات الجمهوريَّةِ في سابقةٍ هي الأولى من نوعها في تاريخ تونس الحديث، وقدعلَّلَ الوزير ذلك بأزمة الجفاف التي تمرُّ بها البلاد