منذ تشكِيل حكومة الوحدة الوطنية في 10 مارس 2021 والذي جاء كنتيجة لمخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي بمدينة جنيف وتحديدًا في 5 فبراير 2021 والأوضاع تزداد تدهورًا خاصة في ملف الفساد، والخوف من حكم العائلة بعد توغل رئيس حكومة الوحدة وأقاربه وسيطرتهم على مفاصل الدولة، أدى هذه لتشكل حكومة موازية في شرق ليبيا، وزيادة الانقسام، ولموجة سخط عامة وانتقادات لاذعة، من كل التيارات الليبية.
وعلى الرغم من الاستقرار الأمني والخدمي -على المدى القصير- وبعض الإصلاحات التي قامت بها حكومة الوحدة مقارنة بالحكومات التي سبقتها، إلا أن موجة الغضب أخذت في الصعود، مع تصريحات رئيس الحكومة المتكررة في أكثر من مناسبة بأنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، وهذا يعني البقاء وبسط النفوذ ومزيدًا من إهدار المال والثروات، في ظل التعثر المستمر والمقصود للعملية الانتخابية.
كل هذا أدى لظهور حراك تحت مسمى (انتفاضة الحسم والتغيير لإنقاذ ليبيا) بقيادة الدكتور شعبان هدية المُكنَّى بــ أبي عبيدة الزاوي، فمن هو أبو عبيدة؟
أبو عبيدة الزاوي مواطن ليبي من مواليد 21 سبتمبر 1972، ولد بمنطقة الحرشة بمدينة الزاوية، حفظ القران مبكرًا، وتلقى العلوم الشرعية على أيدي مشايخ المدينة، دخل الجامعة وتخرج من كلية الهندسة، تعرض للسجن والتوقيف عدة مرات في عهد القذافي، ثم خرج من ليبيا إلى اليمن سنة 1993 لغرض الدراسة حيث مكث فيها بضع سنين وتلقى العلم الشرعي على يد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله، ثم سافر في عام 2008 إلى مصر لاستكمال دراسة الماجستير في العلوم الشرعية، التحق كغيره من الليبيين بثورة فبراير وقاد تشكيلًا مسلحًا ضد كتائب القذافي، ثم شغل منصب رئيس غرفة عمليات ثوار ليبيا التي تأسست أواسط 2013، وأُلقي عليه القبض في الإسكندرية اثناء استكماله لدراسة الدكتوراه من قبل السلطات المصرية في يناير 2014، وتم اطلاق سراحه بعد أن قامت غرفة عمليات ثوار ليبيا باختطاف دبلوماسيين في السفارة المصرية، وفي 25 اكتوبر عام 2019 قالت صحيفة العنوان ” ذا آدريس ” أن السلطات الروسية احتجزت زعيم غرفة عمليات ثوار ليبيا شعبان هدية فور وصوله روسيا ضمن وفد رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج إلى قمة سوتشي وذلك لمدة يومين، ثم قامت بتسليمه للسيد السراج نفسه عندما كان مغادراً بالطائرة إلى أذربيجان.
ذهب بعد ذلك لتركيا ومكث فيها وتحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، ثم عاد مطلع العام الجاري بمبادرة وطنية تدعو للمصالحة ولم شمل الليبيين -هي الفكرة التي تطورت بعد ذلك لتكون انتفاضة الحسم- اجتمع خلال عودته بشرائح واسعة من الليبيين شرقًا وغربًا وجنوبًا، وجلس مع مهجري المنطقة الشرقية وعرض عليهم مشروعه، الذي لم يلق استحسانًا وقبولًا عندهم.
كانت تلك أبرز محطات أبي عبيدة قائد هذا الحراك الذي لم يكتب له النجاح نتيجة لعدة أسباب أهمها:
- احتمالية وجود أطراف خارجية داعمة لهذا الحراك، وهو الأمر الذي أصبح أساسًا في الملف الليبي فالدول الفاعلة فيه لا تفوت أي فرصة للتدخل والاستفادة وطرح الأجندة، رغم نفي أبي عبيدة بشدة لهذا الادعاء إلا أن التجربة الليبية والواقع يقولان غير ذلك.
- اختيار مدينة الزاوية مركزًا للحراك، وهي معقل أساسي من معاقل الثورة الليبية بعد انهيار بنغازي ودرنه وخضوعهما لسيطرة حفتر وأبنائه، وبعد نجاح معسكر الرجمة في شق صف مدينة مصراته أقوى مدن الثورة عسكريًا وحتى اقتصاديًا عن طريق فتحي باشاغا الوزير السابق بحكومة الوفاق حيث تم تعيينه رئيسًا لحكومة موازية من قبل برلمان طبرق الخاضع لسيطرة حفتر، واستطاع كسب ولاءات عسكرية وإعلامية واجتماعية، قسَّمت المدينة وشتَّت أمرها، ولم يبق أمام معسكر الرجمة إلا اختراق الزاوية العنقاء لقربها الشديد من العاصمة فهي بوابتها الغربية، ولوجود قوة عسكرية مؤثرة وقوية مناهضة لمشروع عسكرة الدولة وعودة الديكتاتورية، وتحييد الزاوية أو شقها يعنى الوصول للعاصمة وهو الهدف الكبير الذي يسعى حفتر لتحقيقيه وفشل رغم استخدام كل الوسائل حتى الآن.
هذا الاختيار، أعني اختيار الزاوية جعل حراك أبي عبيدة موضعَ شك وشبهة، وسهل على الأطراف الرافضة للحراك الطعن فيه وحث الناس لعدم المشاركة فيه.
- تواصل أبي عبيدة مع أبناء حفتر خصوصًا ومعسكر الرجمة عمومًا، وهو الأمر الذي لم ينفه أبي عبيده –بل أكده- جعل شرائح واسعة من ثوار فبراير يقفون بشدة ضد هذا الحراك، خاصة مهجري المنطقة الشرقية الذين يرون أن المصالحة في وجود حفتر هي نوع من العبث وضياع الوقت، خاصة أنه لم يعط ضمانات ولم يُظهر أي نية حسنة كالأفراج عن السجناء والسجينات مثلًا، أو السماح بمحاكمة المجرمين، والقتلة، واللصوص الذين اعتدوا على أرواح الناس وممتلكاتهم.
- اقتصار الحراك على المنطقة الغربية دون الشرقية والجنوبية الواقعتان تحت سيطرة حفتر أظهر أن المستفيد من اسقاط الأجسام والحكومة تحديدًا هو حفتر وبرلمان طبرق.
- تحذير دار الإفتاء الليبية من هذا الحراك ودعوة الناس لعدم المشاركة فيه، وخروج المفتي ونفي صلته وعلمه بالحراك جعل أبا عبيدة في موقف حرج خاصة أنه أوهم من زاره وتحدث إليه أنه على تواصل مع كل الأطراف الليبية بما فيها دار الإفتاء.
ختامًا هناك شبه اجماع ليبي على أن حل الأزمة يكمن في خروج كل الأجسام السياسية التي ارهقت البلاد والعباد، واستبدت بالثروات والقرارات بدعم أممي مقصود ومخطط، لكن هذا لن يتم دون توسيع دائرة المشورة والمشاركة بحيث يكون حراكًا شعبيًا ليبيًا خالصًا يشمل كل مناطق ليبيا، ولا يقتصر على منطقة دون الأخرى، أو يقصي طرفًا ويتغاضى عن أطراف، ولا يعطي حصانة لأحد، فالتغيير أصبح ضرورة ملحة لحفظ ما تبقى من وطن، وكل محاولة للوصول لهذا التغيير تحظى بالشكر والاحترام، لكن النوايا وحدها لا تكفي، بل لابد من التخطيط الجيد والتواصل الفعال والدراسة العميقة، وطرح الخيارات المتاحة والتي قد يكون أحدها اجبار الاجسام الموجودة على الذهاب لانتخابات برلمانية في أقرب وقت ممكن وانهاء شرعية كل الأجسام على الساحة الليبية.
د. موسى العبيدي