يعتبر يوم السابع من أكتوبر 2023 يوما مهما في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي حيث يشبه كثير من المحللين السياسيين ما حدث في هذا اليوم كما وكيفا وما تبعه من اثار بما حدث يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ولا شك ان تأثير هذا اليوم وما تبعه من حصار كامل لقطاع غزة وغارات جوية وقصف مدفعي أدى الى مقتل وفقد ما يقارب العشرة الاف فلسطيني اغلبهم من النساء والأطفال حتى تاريخ كتابة هذا المقال سوف يعم منطقة الشرق الأوسط بالكامل
تعتبر ليبيا بعيدة نسبيا جغرافيا عن الصراع الدائر في غزة ولكن مشاهد الأطفال القتلى التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أدت الى تعاطف كبير من كافة شرائح الشعب الليبي مع ضحايا العدوان الصهيوني وهو من الشعوب العربية الأكثر ارتباطا مع الشعب الفلسطيني وقد يكون الموقف من القضية الفلسطينية هو من القضايا القليلة التي يجتمع حولها الليبيون المنقسمون سياسيا وذلك بدا واضحا بشكل جلي عندما تسربت قبل شهور قليلة اخبارا عن اجتماع ضم وزير خارجية حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش مع وزير خارجية الكيان المحتل في روما وادى تسرب هذه الاخبار الى موجة غضب واستنكار أدت الى خروج مظاهرات في اغلب مدن غرب ليبيا وخاصة العاصمة طرابلس التي تظاهر فيها المئات امام وزارة الخارجية الليبية مما اضطر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الى إيقاف وزيرة خارجيته واحالتها الى التحقيق واعلانه بشكل واضح انه ليس لحكومته أي نية لإقامة علاقة مع الكيان الصهيوني.
خلال حكم العقيد القذافي والذي استمر لأكثر من أربعين سنة استخدمت القضية الفلسطينية كشعار رفعه النظام اسوة بالأنظمة القومية التي تغنت خلال فترة الستينات والسبعينات والثمانينات بالقضية الفلسطينية مع عدم القيام بأي خطوات عملية ل(رمي إسرائيل في البحر) وقد حفلت خطابات العقيد القذافي بالكثير من المزايدات والشتائم للحكام العرب كونهم فرطوا في حقوق الشعب الفلسطيني ولكن القذافي نفسه فرط في كامل قضية العروبة واتجه نحو افريقيا عندما تخلى عنه العرب في فترة الحصار الجوي الذي فرضته أمريكيا على ليبيا عقب تفجير لوكربي فالقذافي الذي استطاع تفجير طائرة أمريكية مدنية فوق بلدة لوكربي واستطاع تفجير طائرة فرنسية في صحراء النيجر لم يجرؤ ابدا على الرد على تفجير الطائرة الليبية فوق سيناء بواسطة الطيران الحربي الإسرائيلي وخلال أربعين سنة حكم فيها ليبيا ودخل فيها في حروب مع كل الدول المجاورة وارسل القوات الليبية الخاصة الى زائير وارسل السلاح للجيش الجمهوري في شمال بريطانيا وللمقاتلين في غابات نيكاراجوا اكتفى في حربه مع الإسرائيليين بالخطابات النارية التي يتهم فيها الحكام العرب بالعمالة والخنوع.
وعندما بدأت ثورة السابع عشر من فبراير حاول القذافي الذي استشعر الدعم الغربي للتغيير القادم ان يستخدم ورقة امن إسرائيل لتخويف دول الغرب من الثوار في ليبيا وانتشر تسجيل لمكالمة تلفونية يطالب فيها القذافي وزير خارجيته بتحذير سفراء الدول الغربية من ان امن إسرائيل سوف يتعرض للخطر ان سيطر الثوار على ليبيا لكن موجة الربيع العربي والتي باغتت الغرب كانت اكبر من ان يتمكن من مواجهتها بشكل مباشر ففضل امتصاص الصدمة ثم العمل ببط من خلال ما عرف بالثورة المضادة لإعادة ترويض هذه الشعوب الثائرة واعادتها مجددا الى الحكم الشمولي الذي يعارضه ساسة الغرب بالقول ويدعمونه بالفعل.
بعد سقوط نظام القذافي والذي تلى سقوط نظام حسني مبارك في مصر بدأت الفترة الذهبية للدعم الحقيقي للمقاومة الفلسطينية حيث قام الثوار في ليبيا بإرسال مختلف الأسلحة الى غزة عبر مصر مما جعل الغرب الذي دعم الثورة في ليبيا لإسقاط الطاغية القذافي يدعم طاغية اخر للسيطرة على شرق ليبيا ثم على ليبيا بالكامل حيث رأت دوائر صنع القرار في العالم الغربي ان ثورات الربيع العربي تشكل خطرا على نفوذها في المنطقة وذلك بخسران اصدقائها الحكام الدائمين للدول العربية بل انها تشكل تهديدا مباشرا لصنيعتها في المنطقة والذي يعتبر امنها خط احمر ومحددا رئيسيا من محددات السياسة الخارجية لأمريكيا والدول الغربية.
وعقب انطلاق المواجهات في غزة بعد ما عرف بطوفان الأقصى وما رافقه من موجه من التعاطف والدعم من الشعب الليبي كغيره من الشعوب العربية والذي تمثل في خروج مظاهرات في ميدان الشهداء في طرابلس ومصراته وغيرها من مدن غرب ليبيا تعالت دعوات بإخراج قوات الدول الداعمة للحرب في غزة من ليبيا ودعا صلاح بادي وهو احد قادة المجموعات المسلحة في مصراتة لإخراج مجموعة من القوات الإيطالية قيل انها تتواجد في مدينة مصراتة منذ الحرب التي خاضتها المدينة ضد تنظيم داعش في مدينة سرت و دعا ناشطون لإقفال تصدير الغاز عبر ميناء مليتة الى إيطاليا
وفي بنغازي المسيطر عليها من قبل قوات حفتر المعروفة بالقيادة العامة والتي التزمت الصمت حول الاحداث في غزة أصدر البرلمان الليبي في 25 اكتوبر 2023 بيانا حول الوضع في غزة طالب من خلاله سفراء البلدان الداعمة لجرائم اسرائيل الى مغادرة البلاد فورا كما دعا المجلس الحكومة الليبية بوقف تصدير النفط والغاز للدول المساندة لإسرائيل واعتبر محللون سياسيون ان هذا البيان لا يعدو كونه نوعا من المزايدة السياسية ومحاولة لإحراج حكومة الوحدة الوطنية التي لا يعترف البرلمان بها و التي تسيطر على طرابلس حيث تتواجد سفارات هذه الدول.
في حال استمرار الحرب في غزة واتساع تأثيرها يتوقع مراقبون ان ينقسم الموقف في ليبيا بحسب الانقسام السياسي الموجود أصلا فيكون موقف الشرق الليبي المسيطر عليه من قبل قوات حفتر تابعا للموقف المصري وقد يتورط حفتر الحامل للجنسية الامريكية في مشروع امريكي يكثر الحديث عنه يقضي بتهجير سكان قطاع غزة وتوزيعهم على دول المنطقة بينما يتماهى موقف الغرب الليبي مع الموقف التركي الذي اقتصر حتى الان على مجرد التنديد والمطالبة بوقف العدوان ومحاكمة مرتكبيه.
ولا شك ان الاحداث في غزة سوف تنهي او تؤجل الى اجل غير مسمى أي محاولات للتطبيع مع الكيان المحتل والتي يعتقد ان المتنافسون على السلطة في ليبيا قد يتورطون فيها طمعا في الدعم الدولي او استجابة لضغوط الحلفاء الإقليميين او الدوليين وقد تزيد هذه الاحداث من النقمة الشعبية على الدول الغربية الداعمة للحرب على غزة مما قد يحد من دور هذه الدول في حل الازمة الليبية وقد يشكل هذا ضغطا على حكومة الوحدة الوطنية بالذات لأنها تحاول منذ فترة إعادة السفارات الغربية الى طرابلس وإعادة شركات الطيران الغربية لتسيير رحلاتها الى مطار طرابلس الدولي المزمع افتتاحه قريبا.
كما لن يفوت الطرف السياسي المسيطر على شرق ليبيا الاستفادة من الموقف الروسي المعارض ولو ظاهريا للعدوان على غزة في تبرير التحالف معه وإعادة تسويق وجوده المتمثل في قوات فاقنر والتي تسعى روسيا الى احداث نوع من الشرعنة لوجودها في ليبيا وقد لا ينتبه الليبيون في خضم التركيز الإعلامي على احداث غزة للجرائم التي تنفذها القوات الروسية على مدينة ادلب السورية.
اما الشارع الليبي المكبل بالقيود الأمنية في شرق ليبيا تحت ظل الحكم العسكري لعائلة حفتر والمشغول بهموم الحياة اليومية وصراعات المليشيات في غرب ليبيا فسوف يقتصر حراكه على فورات وردات فعل تنتهي كما تبدأ سريعا لأنه يفتقد الى يفتقد الى القيادة السياسية المتمثلة في الأحزاب السياسية الفاعلة او الجمعيات والمنظمات والنقابات النشطة التي يمكن ان تقود هذا الشارع الى ان يتحول الى أداة ضغط حقيقية وواعية تؤدي الى اتخاذ الحكومتين في شرق ليبيا وغربها الى إجراءات عقابية حقيقية للدول الداعمة للعدوان على غزة.