
يضم تحالف أحزاب المعارضة التركية “الأحزاب الستة” أو ما أصبح يعرف إعلاميا بـ”طاولة الستة” أو “الطاولة السداسية” حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد القومي و حزب السعادة المحافظ و حزب الديمقراطية والتقدم و حزب المستقبل (المنشقان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم) و الحزب الديمقراطي ورغم ما فيه هذه الخلطة من متناقضات فكرية وايدولوجية الا ان الأحزاب الستة اتفقت على امرين أساسيين السعي لإزاحة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن كرسي الرئاسة التركية وانشاء نظام برلماني يقلل من صلاحيات الرئيس القادم
من الطبيعي ان يحدث في عالم السياسة – البعيدة عن ميزان الشريعة – شتى أنواع التحالفات وتغيير المواقف والتنازلات لتحقيق الانتصارات وإلحاق الهزيمة بالخصوم فالسياسة يعرفها البعض بفن الممكن أي انها استغلال كل ما يمكن استغلاله في سبيل تحقيق الأهداف اما السياسة وفق منظور الشريعة فهي تعرف بانها رعاية شؤون الامة في مختلف نواحي الحياة من خلال الحكم بما يحقق مصالحها وفق أحكام الدين الإسلامي التي جاءت في الكتاب والسنة فهدف السياسة في منظور الشريعة ليس مجرد تحقيق مصلحة الحزب بل هي تحقيق مصلحة الامة وذلك التحقيق يجب ان يتم وفق احكام الدين.
عندما يقرر حزب إسلامي او ذي مرجعية إسلامية او شخصية ذات توجه إسلامي خوض غمار السياسة فهل سيلعب لعبة السياسة وفق رؤية خصومه لها والخصوم هنا هم الأحزاب العلمانية التي تؤمن بفكرة فصل الدين عن السياسة بل عن كافة مناحي الحياة وحصره في الجوانب التعبدية فقط ام انه ملزم بحكم تبنيه المرجعية الإسلامية بان يلتزم بالرؤية الإسلامية التي ستقيد حركته وتحالفاته بقيود الشريعة ؟؟
في الحالة التركية نجد ان حزب السعادة الإسلامي يدخل في تحالف مع أحزاب علمانية وقومية نشأ هذا الحزب أصلا كنقيض لها وقدم طرحا مخالفا لمشروعها الأيديولوجي ودخل مؤسسه الراحل نجم الدين اربكان رحمه الله السجن بسبب سعيه لإنهاء سيطرتها على الدولة التركية والغريب ان الخصم الذي دخل حزب السعادة الإسلامي هذا التحالف لإزاحته عن السلطة هو حزب إسلامي اخر يحكم تركيا من حوالي عشرين سنة شهدت البلاد في ظل حكمه تطورا كبيرا في شتى المجالات اعطى لتركيا موقعها المؤثر في محيطها الإقليمي والعالمي.
في الحالة الليبية نجد نسخا أخرى لحزب السعادة متمثلة في أحزاب وشخصيات ذات توجهات إسلامية وثورية تقوم بالتصالح ثم بالتحالف مع جهات معادية بشدة للحركات الإسلامية بل لكل ما له علاقة بثورة فبراير وعلى رأسها تيار الكرامة بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر وفي ذات الوقت نجدهم يقفون موقف العداء الصارخ والنقد الهدام من دار الإفتاء التي تمثل المرجعية الشرعية للمجتمع الليبي والمبرر دائما الذي يسوقونه ويسوقون له هو المصالحة وجمع الكلمة والمحافظة على وحدة ليبيا وسيادتها فيما يعمل الطرف الذي يحاولون التصالح معه بشكل واضح ضد المصالحة الحقيقية بجره ليبيا الى شبه حرب أهلية مات فيها الالاف وتشرد غيرهم وضاعت سيادة ليبيا في ظل وجود المرتزقة والقوات الأجنبية واصراره على حكم ليبيا مما أدى الى تعطل مسيرة الانتقال السياسي الى سلطة شرعية منتخبة وحرمان الشعب الليبي من حقه في اختيار ممثليه والتمتع بثروات بلاده والغريب ان تحالف الأحزاب والشخصيات الثورية في ليبيا مع تيار الكرامة ودخولهم في صفقات سياسية معه يكون دائما بتقديم التنازلات والتراجعات من طرفهم هم بين يستمر الطرف الاخر في عناده وغروره ويرفض حتى الاعتراف بأخطائه وجرائمه فهل يسوغ ان نسميه تنازل من طرف واحد على غرار الحب من طرف واحد الذي غالبا ما ينتهي بالفشل!!
ان منظري حزب السعادة في تركيا ونظرائهم في ليبيا قد يستطيعون تبرير تنازلاتهم بشتى الحجج لكنهم لن يستطيعوا القفز على حقيقة انهم بهذه التنازلات يتخلون على هويتهم الفكرية التي تميزهم عن غيرهم والتي مهما استماتوا في اخفائها او التنكر لها فسيستمر الخصم-الحليف في النظر إليهم وتقييمهم والتعامل معهم على أساسها وهذا الخصم – الحليف وان قبل بهم مؤقتا كوسيلة لتحقيق هدف مرحلي الا ان انه لن يقبل بهم على المدى البعيد لأنه يعلم انهم يشكلون النقيض لمشروعه سوءا كانوا أصحاب مشروع إسلامي نقيض للعلمانية ام كانوا انصارا لثورة جاءت لإنهاء الدكتاتورية والحكم العسكري
ان أصحاب التوجه الإسلامي افرادا واحزابا ومؤسسات قد ينسون في غمرة خوضهم الصراع السياسي مع أطراف تخوض السياسية بالمفهوم الغربي البراغماتي في الغالب يتأثرون بالوسط الذي يخوضون فيه معركتهم السياسية فتتحول مصلحة الامة التي قامت على أساسها تلك الأحزاب الى مصلحة الحزب او المؤسسة بل في أحيان كثيرة الى مصلحة الافراد القائمين عليهم وهي كثيرا ما تكون مصالح ذاتية ودنيوية ضيقة وامثال هؤلاء يكون تأثيرهم على المشروع الإسلامي الرامي لنهضة الامة او الثوري الهادف لإنهاء الدكتاتورية اشد ضرار من تأثير الأعداء والخصوم انفسهم