-مدخلٌ عامٌّ:

توفيق شرف الدين، اسم قد لا يعني الكثير خارج البلاد التونسية،ولكنّه في الداخل عكس ذلك،ولمن تعنيه تونس جيوسياسيَّا ستكون معرفة هذه الشخصية له، وتفكيك طلاسمها، من أولى أولياته، قبل أن يخوض في المستنقع التونسي بعد الخامس والعشرين من جويلية(يوليو)2021،في مشهد أمنيّ لا يستجيب لمعطيات المنطق أبدا،فمن رئيس ينقلب على الدستور الذي أقسم على حمايته،ومن رئيس حكومة يختفي فجأة في ظروف غامضة ليُشاهد لاحقًا في قطر، دون توضيح أين كان أيّام الانقلاب،وهل أُقيل أو استقال،وهل تعرّض للاختطاف والتعذيب لاحقًا كما يُشاعُ بقوّة،وقد سُرّبت له صورة فوتغرافيّة يبدو جليًّا من خلالها بأنّ الرجل قد عُنّف، بل ومن طرف قوّة أمنيّة استخباراتيّة مصريّة ساهمت في الانقلاب من مسافة الصفر،وكذلك من رئيس برلمان يُحالُ بينه وبين ممارسة مهامّه الدستوريّة،ولا يعتقل،ولا يسمحُ له بمغادرة البلاد،ويُحشر في العديد من القضايا فيما يبدو من باب النكاية فيه فقط،كما صرّح بذلك صديق الرئيس، أو مستشاره غير الرسميّ رضا شهاب المكّي، الشهير برضا لينين،ولا يقدرُ حزبه الأوّل في البلاد على التصدّي للانقلاب،وإن أفلح في أن يُعرّي الرئيس-المنقلب-ممّا ادّعاه بأنَّ له تفويضًا شعبيًّا بما سمّاه تصحيح مسار ثورة2011،وغير ذلك كثير من مشهد فولكلوري لا يحتكمُ للمنطق أبدًا

1-الشخصُ والشخصيّة:

  في الندوة الصحفيّة الشهيرة عقبَ اختطاف المحامي ووزير العدل السابق نور الدين البحيري، كال الوزير التُّهم الجزاف للمحامي المختطف،إرهابٌ على تسفيرٍ لبؤر التوُّتر،على منح جنسيّات وجوازات سفر بغير وجه حقٍّ لأجانب،وقد وعد المتسرِّعين بلوم الوزارة على ما قامت به من فعل بأن يغيِّروا رأيهم لاحقًا، هو يرى بأنَّ ما قامت به وزارته قانونيٌّ طبقًا لقانون1972،وقد كيَّف ما اقترفت الفرقة الأمنيَّة المجهولة تكييفًا قانونيًّا، يسمحُ له بوضع من يشاُء رهن الإقامة الجبريّة،وفي هذا نظر وجدل قانوني ليس هنا المجال للخوض فيه

2-الوزيرُ المشكل

الوزير شرف الدين اسمٌ مشكلٌ في الجسم الحكومي(والسياسي)  التونسي، إذا طُرح للبحث والاستفهام والتفكيك، يطرحُ منطقيًّا العديد من الأسئلة الحارقة، والتي من خلالها قد نفكِّك غموض الكثير من الأحداث الأمنيّة والسياسيّة التونسيّة على الأقلّ في السنتين الماضيتين،وقد تنطلقُ أسئلتنا من أقلِّها تعقيدًا لنقول:

-كيف يمكنُ لخرّيج كلّيّة الحقوق أن يصبح مجرمًا تلاحقهُ العديد من القضايا داخل تونس وخارجها، آخرها القضايا التي رُفعت ضدّه في الولايات المتّحدة الأمريكيّة؟

-كيف يمكنُ لمحام نكرةٍ لا تعرفُ له سيرة مهنيّة محترمةٌ أن يُصبح المتحكّم الأوّل والأعلى والأبرز في رقاب جميع المحامين والقضاة في تونس؟،فيختطفُ على سبيل الذكر لا الحصر المحامي والسياسي ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري يوم31_12_2021 من أمام بيته، ورفقة زوجه المحامية والحقوقيّة الشهيرة الأستاذة سعيدة العكرمي،ولا تعرفُ الجهة الأمنيّة التي اختطفته ابتداء،فهم نفرٌ ملتحون يستقلّون أكثر من سيّارة،وقد عنّفوه ليُحشر في احدى السيّارات عنوة،كما عُنّفت زوجه، وافتكّ منها جوّالها،ثمّ لاذوا بالفرار، في مشهد هوليُودي لم تألفه تونس من قبل،ولو في زمن ابن علي.

تمّ احتجاز الأستاذ البحيري طيلة67 يوما،وأمام افتضاح الأمر بأسرع ما يكون،ومعرفة المكان الذي أخفيَ فيه الأستاذ في وقت وجيز جدًّا، سارع السيّد الوزير لعقد ندوة صحفيّة ببهو وزارة الداخليّة،أشرف عليها بنفسه،وقد لاحظ الجميعُ عدم قدرته على النطق وعلى الحديث المسترسل،وكان على غير العُرف الاعلامي يشربُ الماء لمرّتين أو أكثر،ممّا أثار تعليقات الصحافة لاحقًا، ووسائط التواصل الاجتماعي.

في الندوة وعد السيّد الوزير عموم المواطنين بأن يرميَ المحامي البحيري في السجن لمدّة طويلة جرّاء ما اقترفت يداهُ من جرائم في حقّ الدولة وسيادتها خاصّة،تحت شعار العدالة فوق الجميع،وفي الأخير يطلقُ سراحُ الأستاذ البحيري، والذي قضّى كامل مدّة اختطافه في إضراب جوع وحشي كاد أن يُودي بحياته،قلنا بأنّهم أطلقوا سراحه دون أن تسجّل في حقّه ولا مخالفة مروريّة واحدة

3-قاض القضاة:

درج في تعريفات المختصّين على اعتبار المجرم منحرفٌ عاطلٌ عن العمل،أمّيٌّ أو محدود التحصيل العلمي،وعلى الغالب يشكو من اضطرابات نفسيّة،ولكن في هذه الحالة نحن نخالف هذا التعريف(الكلاسيكي) ونحن نتحدّث عن وزير الداخليّة التونسي، وأحد عرّابي انقلاب25جويلية(يوليو) الأستاذ المحامي

عُرف من سيرته الذاتيّة بأنّه محام من ولاية سوسة الساحليّة-محافظة ابن علي-لا يسمعُ به أو عنه أحد، إلّا نفر قليل من أبناء المهنة،وكان أوَّل ظهوره للعلن وهو يشرفُ جهويًّا على الحملة الانتخابيَّة لقيس سعيِّد،وفجأة ودونما مقدِّمات أو مؤهِّلات صعد اسم المحامي الخمسيني-من مواليد 1968-ليكون وزيرا للداخليَّة في حكومة هشام المشّيشي ،ليدخل في صراع محتدم بينه وبين أغلب نوَّاب الشعب بالبرلمان، أدَّت إلى إقالته ليعيِّنه قيس سعيِّد سريعًا نكاية في النوّاب ومجلسهم رئيس الهيئة العليا لحقوق الانسان والحرّيّات الأساسيّة،برتبة وزير،ممّا أثبت تشُّبث الرئيس به واعتباره من دائرته الضيّقة جدًّا،وهو ما تجلَّى لاحقًا خاصَّة ليلة الإعلان عن انقلاب 25جويلية يوليو من بهو وزارة الداخليَّة،ولكن بما أكَّد أيضًا وأنَّ الوزير شرف الدين المتطفِّل على جهاز الأمن نعم مع الرئيس حتَّى النخاع،وليس الوزارة بمختلف أجهزتها،فليلتها مثلًا رفض رئيس المخابرات لزهر لونغو أن ينصاع لأوامر الرئيس خارج الدستور، وغادر الوزارة تاركًا مكتبهُ في اتِّجاه بيته،لينكِّل به شرف الدين لاحقًا، وهو إلى الآن في السجن،و قد أطلق سراحه إلَّا أنَّه فرَّ إلى الجزائر، ليسلم من انتقام شرف الدين،وقد ألقيَ عليه القبض هناك ليسلَّم للسلطات التونسيَّة، والتي أودعته السجن ثانية في قضيَّة-أنستالينغو -والتي لا ناقة له فيها ولا جمل، كما يؤكِّد ذلك محاموهُ

 في الشأن القضائي كان شرف الدين المنَّفذ الفعلي، واليد الغليظة لسيِّده منقلب قرطاج،حيثُ أشرف بنفسه على حلِّ المجلس الأعلى للقضاء(سلطة منتخبة) ومصادرة مقرّه الرسمي،ومنع القضاة من ممارسة دورهم السيادي-بوصفهم سلطة-على العدالة في تونس،ولاحقًا قام بإحالة أكثر من عشرة قضاة على قطب الإرهاب بتهم قد تصل بالواحد منهم إلى عشر سنين،ورغم واجب التحفُّظ إلَّا أنَّ البعض من القضاة تجرَّأ أمام وسائل الإعلام ليقول بأنَّه كان يدفع ثمن حياديَّة مرفق القضاء-سلطة القضاء- وقد حاول الوزير أن يفرض على أحدهم مثلًا بأن يزجَّ بالمحامي المختطف نور الدين البحيري في السجن فرفض، لأنَّ ملفَّه خال من تهم توجب ذلك،وآخر رفض الزجَّ بالسيِّد رئيس البرلمان في السجن أيضًا بدون تهمة،فدفع كامل جهاز القضاء المتعافي ولو جزئيًّا بعد الثورة ثمن ذلك التعافي،بعد أن كان قبل الثورة عصًا غليظة في يدي ابن علي يضرب بها من يشاء من خصومه

كذلك تلاعب الوزير المنقلب بملفِّ قضيَّة ما سُمِّي اعلاميًّا”قضيَّة التسفير إلى بُؤر التوتُّر” وقد حكم فيها القضاء النزيهُ سابقا،ووصلت بعض الأحكام فيها إلى أكثر من عشرين سنة سجنا،وكان أغلب المدانين فيها منتمين إلى منظومة النظام السابق-نظام ابن علي-

في قضيَّة التسفير إلى بؤر التوتُّر كذلك تمَّ الزجُّ فيها بالكثير من القيادات الحزبيَّة،وتمَّ الضغط على القضاء من أجل إيداع رئيس البرلمان وبعض قيادات الصفَّ الأوَّل من حركة النهضة خصوصًا في السجن ولكن دون جدوى،ومع الهرسلة المستمرَّة لسلطة القضاء والذي نزعت عنه صفة السلطة بعد الخامس والعشرين من جويلية يوليو، واعتبر وظيفة،تمكَّن الوزير من الضغط على قاض التحقيق المشرف على القضيَّة ليُودع المهندس علي العريِّض وزير الداخليَّة السابق وكذلك رئيس الحكومة السجن، بملفٍّ فارغ لا حُجج فيه تدينه،بل ولو أدين غيرهُ بمثل هذه التهم فلا يُدان هو،لأنَّ في فترة إشرافه على وزارة الداخليَّة هو من قام بتصنيف أنصار الشريعة كحركة إرهابيَّة،وبالتالي تمَّ منعها حتَّى ممارسة الأنشطة المدنَّية، في خطوة استباقيَّة لما يُمكن أن تقوم به لاحقًا،ممَّا حدا بهؤلاء إلى تكفيره والتشهير به في مواقعهم على النتّ وقالوا بالنصِّ”يُقتلُ كفرا لا حدًّا”

-أيادي شرف الدين كذلك نكّلت بالمهندس حمّادي الجبالي رئيس الحكومة الأسبق،حيث تمَّ اختطافه من سيَّارته صباحا،ليُطلق سراحه بعد عدّة أيَّام دون أن توجَّه له أيُّ تهمة،ولكنَّه كالمعتاد يجدُ نفسه مشمولا بالتتبُّع في قضايا أخرى

4-وزير فوق العادة:

في حكومة نجلاء بو دن يُشاعُ إعلاميًّا وفي كواليس السياسة، بأنَّ الوزير شرف الدين هو رئيس الحكومة الفعلي، ولكن من دون تكليف، أمام الضعف الفادح في الأداء الذي تميَّزت به رئيسة الحكومة نجلاء بو دن، ممَّا أوصل البلاد إلى حالة من الانهيار ستتجلَّى قريبا للعيان، ولكن بعد فوات أوان إمكانيَّة الإنقاذ

5-منجزاتُ الوزير:

من إنجازاته خارج دائرة القانون-وهو رجل قانون ورجل دولة-ولكن داخل منطق القوَّة والصلف والاعتداء:

–قامت وحدة تابعة لوزارته وتحت إشرافه مباشرة،وإشراف والي(محافظ)ولاية بنزرت ابن تنسيقيَّات قيس سعيد-ميليشيات تتبعُ الرئيس- باختطاف وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري كما سبق وقدَّمنا في مفتتح العمل

-لاحقا تمَّ ايقاف محام الأستاذ البحيري العميد السابق للمحامين الأستاذ عبد الرزَّاق الكيلاني ليُودع السجن

-تحت إشرافه المباشر تمَّ توسيع قائمة المشمولين بالاستشارة القانونيَّة قبل السفر،والمعروفة باسم( س17) لتتَّسع لأكثر من 100000 تونسي، فأيُّ قاض أو محام أو محافظ أو معتمد أو رئيس بلديَّة سابق،أو وكيل شركة أو ناشط سياسي أو حقوقي أو جمعيَّاتي مشمول آلًّيا بهذه الاستشارة،وعلى الأغلب يمنعُ من السفر،لتتحوَّل البلاد إلى سجن كبير ضاق بأهله

-تحت إشرافه أطلق العنانُ للنقابات الأمنيَّة والتي تعرفُ اعلاميًّا باسم الأحزاب المسلَّحة،لترتع في البلاد طولًا وعرضًا دون رقيب ولا حسيب،فلا تؤمِّن مباريات رياضيَّة إلَّا بمقابل مادِّي(مقاولات أمنيَّة)وتقاطعُ تأمين عرض أيِّ فنَّان ينتقدُ أداءها، مثلما حدث مع الفنَّان الكوميدي لطفي العبدلِّي بمدينة صفاقس، ممَّا اضطرَّه لاحًقا لبيع ممتلكاته والهجرة إلى فرنسا،وأخيرا  تختلق فوضى عارمة في منطقة سياديَّة، ألا وهي مطار تونس قرطاج الدولي من أجل تشويه خصم سياسي للرئيس(ائتلاف الكرامة) يقوم نوَّابه بواجبهم الرقابي من أجل مرافقة مواطنة تونسيَّة تكرَّر منعها من السفر بغير وجه حقٍّ تحت حجَّة المراقبة المسبقة للسفر،فيما عُرف إعلاميًّا بقضيَّة المطار، ولمَّا انتهت المهمَّات القذرة التي أوكلها الوزير لأغلب تلك النقابات الأمنيَّة تنكَّر لها،وانطلق في هرسلة أغلب قياداتها الأمنيَّة،وقد لفَّق تُهم للبعض منهم، كما تمَّ عزل البعض الآخر من سلك جهاز الأمن،وعلى الأغلب فنحن ننتظر قرارا رئاسيًّا بحلِّ جميع النقابات الأمنيَّة

-قامت وحدة أمنيَّة بالزيِّ المدني باختطاف رئيس كتلة حزب ائتلاف الكرامة،الأستاذ سيف الدين مخلوف من أمام المحكمة العسكريَّة بباب سعدون في رابعة النهار، ليُودع السجن،وكذلك اعتقلت رئيس مكتبها السياسي السابق الأستاذ عبد اللطيف العلوي،كما اعتقل الإعلامي الشهير عامر عيَّاد من أجل قصيدة ألقاها في برنامجه على قناة الزيتونة للشاعر أحمد مطر، قيل بأنَّها تعرِّضُ بشخصيَّة السيِّد الرئيس

-كذلك تمَّ اختطاف النائب راشد الخياري والمدوِّن الشهير،والذي كان له فضل قصب السبق في كشف مؤامرة إيصال قيس سعيد إلى سدَّة الحكم دون ظهير حزبي،ومع نظافة يد أشيع بأنَّها الأنقى في البلد،لينكشف بالحجَّة والوثائق زيف تلك السرديَّة، والتي انطلت على الجميع بما في ذلك حركة النهضة الحزب الأكبر في البلاد، والتي كان قرارها بالتصويت لصالحه في الدورة الثانية حاسمًا في وصوله لسدَّة الحكم،وكان النائبُ راشد الخياري جريئًا في ظهوره الإعلامي وتوجيه سهام الحجَّة للرئيس بأنَّه صنيعة الإمارات، وإدارة ترامب، وبعض الدوائر الصهيونيَّة،وكذلك ليس بعيدًا عن صنَّاع القرار في إيران،وإن عبر أخيه المتشيِّع، وأحد أعمدة قصر قرطاج حاليًّا.

-بوليس شرف الدين كما يسمِّيه البعض قاموا بإغراق الطفل عمر العبيدي في الوادي لمجرَّد مشاركته في حركة تعبيريَّة ظمن جمهور احدى الفرق الرياضيَّة الكبرى بالعاصمة تونس،وأمام صرخاته”مانعرفش نعوم”بوليس شرف الدين تحلَّقوا حوله ضاحكين هازئين”تعلِّم عوم…تعلِّم عوم”ممَّا أظهر للعلن الحركة الشبابيَّة الثوريَّة”تعلِّم عوم”وما يزالُ دم عمر العبيدي دون قصاص إلى يوم الناس هذا،المتَّهمون بوليس شرف الدين لا يقدرُ عليهم بعد الخامس والعشرين من يوليو أحد،ولا حتَّى القضاء، لأنَّه في خاتمة الأمر أصبح تحت إشراف وزيرة العدل ليلى جفَّال،أي تحت إشراف وزير الداخليَّة.

-الإقامات الجبريَّة في عهد شرف الدين فاقت الخمسين،ومن أبرز من شملتهم علاوة على الأستاذ البحيري،الضابط الأمني البارز فتحي البلدي،ثمَّ أطلق سراحه دون تهمة توجَّه له،ثمَّ أدرج في قضيَّة”انستلينغو”ليُودع السجن من جديد دون محاكمة.

المقال لزهر لزنقو،الذي رفض الانخراط في-رئيس المصالح المختصَّة-المخابرات-

لعبة الانقلاب ليلة الخامس والعشرين من يوليو كما سبق وذكرنا،ثمَّ أطلق سراحه، ليزجَّ به لاحقا في قضيَّة”انستالينغو”وهو في السجن إلى الآن،و”انستالينغو”اسم لشركة مختصَّة في صناعة المحتوى الإعلامي، تعتقدُ سلطات قيس سعيد بأنَّها الذراع الإعلامي لحركة النهضة ،واستغلَّت لاحقا لتكون وعاء فضفاضا يزجُّ فيه بكلِّ من لم توجد له تهمة قد تودعه السجن، فمن راشد الغنُّوشي رئيس البرلمان،إلى حمَّادي الجبالي رئيس الحكومة الأسبق،إلى الضابط السامي والناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخليَّة محمد علي العروي،والقائمة تطول

-الوزير شرف الدين أشرف بنفسه على منع نوَّاب البرلمان من حقِّهم في جوازات السفر،حتَّى من كان منهم محتاجًا لذلك بغرض العلاج خارج البلاد،في حين متَّع ابنه بجواز سفر ديبلوماسي،وكان المدلَّل يباهي به على صفحات التواصل الاجتماعي من بلد إلى آخر،

–كان من آخر صعلكات الوزير المنقلب إخفاء ما يسمَّى بوليس شرف الدين جثث شهداء-أبناء منطقة جرجيس من محافظة مدنين الغرقى في البحر،أو الذين أغرقوا عمدا في البحر من طرف الحرس البحري، وهذه رواية أخرى وليست مستبعدة،ألمعنا إلى أنَّهم دفنوا في مقبرة الغرباء دون علم أهاليهم،ولا إذن من وكيل النيابة كما ينصُّ على ذلك القانون،ومازلنا نتابع انتفاضة العكَّارة-سكَّان جرجيس-من أجل المطالبة بحقِّهم في استرجاع جثث أبنائهم ليدفنوا كغيرهم من الموتى وليس أكثر،أمَّا الوصول لحقيقة ما حلَّ بهم في عرض البحر،فهذا مطلب بعيدُ المنال في سياق ما تشهده البلاد من إجراءات استثنائيَّة منذ سنتين إلَّا قليلا.

6-اللعب بالنار:

في شهر مايو من السنة الفارطة2022جدَّ انفجار غاز منزلي في المسكن الوظيفي لوزير الداخليَّة توفيق شرف الدين صباحا،والملاظات السريعة حول الحادثة هي كالتالي:

 أوَّلا:كان الوزير في منزله

ثانيا: المنزل وظيفي وليس خاصًّا

ثالثا:المنزل محروس حراسة جيِّدة

رابعا:هذه ثاني حادثة تجدُّ في منزل وزير للداخليَّة ما بعد الثورة، وكانت الأولى سنة 2014حيثُ تعرَّض منزل وزير الداخليَّة التونسي بن جدُّو في محافظة القصرين إلى هجوم إرهابي خلَّف أربعة شهداء من رجال الأمن وجريحًا واحدا،في حين لم يكن الوزير بن جدُّو في مسكنه

بالعودة إلى حادثة انفجار الغاز المنزلي، فقد أصيبت زوجة الوزير شرف الدين  بحروق قيل أنَّها بسيطة في بلاغ رسمي للوزارة مع سلامة السيِّد الوزير،ولكنَّ المرأة توفِّيت لاحقا في مستشفى الحروق البليغة ببن عروس،وقد قيل كذلك بأنَّ الانفجار كان عفويًّا،أو كما يُقال تسرُّب غاز،وقيل كذلك في رواية أخرى بأنَّه لم يكن عفويًّا،وكان مدبَّرا ومقصودا،وأشارت كلُّ أصابع الاتِّهام حينها وما تزالُ تشير(غير الرسميَّة طبعا)إلى وزير الشؤون الاجتماعيَّة مالك الزاهي المنافس الأبرز لخلافة رئيسة الحكومة نجلاء بو دن  في رئاسة الحكومة،يعني المنافس الأبرز لشرف الدين الواضع عينه وثقله على المنصب كما هو معلوم للمتابعين،وأغلب الصفحات الأمنية(غير معلومة الجهة التي تنتمي إليها)ترجِّح بأنَّ الوزير مالك الزاهي كان يقف وراء تلك المحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخليَّة شرف الدين، والتي راحت ضحيَّتها زوجته رحمها الله في شهر جوان من السنة الفارطة،ولم تقتصر تلك الصفحات الأمنيَّة القريبة على ما يبدو من جهاز المخابرات بتلك التسريبات الخطيرة،بل شاركتها تلك الاتِّهامات العديد من الصفحات والمواقع المعروفة جدًّا بولائها لأكثر من جهةٍ متنفذة،من مثل صفحة سيِّب صالح،وصفحة صدر بعل،كذلك كان تصريح الدكتور العلماني أمين محفوظ أحد المقرَّبين من قيس سعيِّد في بدايات الانقلاب،ومن خواصِّه الذين كلَّفهم بإعداد مسودَّة دستور،ثمَّ انقلب على الرئيس لاحقًا،لمَّاتبيَّن له كما يذكر في وسائل الإعلام بأنَّ الرئيس يتلاعب بالجميع،قلنا بأنَّ أمين محفوظ صرَّح إبَّان حادثة انفجار الغاز ببيت وزير الداخليَّة ووفاة زوجته لاحقا،بأنَّ الوزير-ابن مدينته سوسة-دفع ثمنا غاليا،فيما اعتبر إشارة جدُّ قويَّة إلى أنَّ الحادثة كانت مدبَّرة، كذلك لم يقف الصراع بين الوزيرين عند هذا المستوى،وفي الظاهر لن يقف،لخطورة ما أقدم عليه مالك الزاهي إن صحَّ ذلك طبعا،هذا من جهة،ومن جهة أخرى للخلفيَّة السلفيَّة الجهاديَّة التي ميَّزت شخصيَّة الوزير مالك الزاهي،ولم يفلح في إخفائها وإن حلق لحيته،فقد سبق وحُوكم قبل الثورة فيما عُرف حينها بأحداث سليمان،(مواجهات مسلَّحة بين فصيل جهادي سلفي وقوَّات النخبة من الجيش والأمن على خلفيَّة اكتشاف معسكر تدريب يتبع التنظيم في جبل الرصاص ما بين العاصمة تونس ومحافظة نابل)لاحقًا حلق الزاهي لحيته،وغيَّر من اتِجاه قناعاته-ظاهرا-وأصبح من المقرَّبين من قيس سعيِّد،أو قرَّبته جهةٌ مَا من قيس سعيِّد منذ البدايات، ليفاجأ الجميع بأنَّه أصبح وزيرا.

ذكرت مصادر جدُّ مطَّلعة لموقع العربي21بأنَّ الوزير شرف الدين كلَّف مجموعة أمنيَّة قريبة منه بالتجسُّس على زميله في الحكومة مالك الزاهي،ورفع التقارير عنه له مباشرة

7-الدونجيون:

 يشاعُ بقوَّة داخل أروقة وزارة الداخليَّة بأنَّ الوزير تربطه علاقة غير شرعيَّة مع الناطقة الرسميَّة باسم الوزارة القاضية(ف-خ) والتي استقالت من المهمَّة لاحقًا دون تبرير استقالتها،لتكشف بعض الدوائر الاستخباراتيَّة،والتي تمرُّر معلوماتها للعموم عبر صفحات خاصَّة تتبعها،مثل صفحة المارد التونسي،بأنَّ السيد الوزير تزوَّج القاضية المستقيلة وسافرا إلى ألمانيا أخيرا،ممَّا أكَّد الشكوك القديمة،والتي تعتبر معطيات داخل أروقة الوزارة،ولكن في الآن نفسه فتح فرضيَّات جديدة ومشروعة حول حادثة انفجار الغاز بمنزل وزير الداخليَّة والتي سبق وتحدَّثنا عنها،على اعتبار وأنَّ القاضية صارت من أبرز المستفيدات من وفاة-أو قتل-زوجة الوزير،فيما يشبه فتح الطريق لها لتكون لصيقة من وزير الداخليَّة، إمَّا لاتِّحاد المشروع-مشروع قيس سعيِّد أساسًا- أو أنَّ دوائر مَا تريد لها ذلك، ولا يستبعد أن يكون وزير الشؤون الاجتماعيَّة مالك الزاهي عرَّاب تلك العلاقة،وعرَّاب فسح المجال أمام القاضية لتكون مع الوزير الأقوى في سلطة قيس سعيِّد من مسافة الصفر،وعليه فلم يكن المقصود من حادثة انفجار الغاز تصفية توفيق شرف الدين، بل إزاحة زوجته من المشهد فقط،وهو ما كان بالفعل،وقيل في رواية أخرى بأنَّ زوجة الوزير رحمها الله علمت من خلال علاقاتها بالعلاقة غير المشروعة بين الوزير والناطقة الرسميَّة باسم الوزارة، وحاولت أن تثنيه عن صنيعه ذاك، وأمام فشلها في مسعاها انتحرت، ولكن قيل أيضًا بأنَّ جهةً مَا أعلمتها بتلك العلاقة، فيما يبدو دفعًا لها إمَّا للطلاق وإفساح المجال للناطقة الرسميَّة باسم وزارة الداخليَّة، أو كانت تعتقد بأنَّ المرحومة قد تقدم على الانتحار، وهو ما كان بالفعل، وفي كلِّ الحالات كانت القاضية المستقيلة هي المستفيدة الوحيدة من وفاة زوجة وزير الداخليَّة.

8-آفاق البحث: توفيق شرف الدين وزير الداخليَّة التونسي أمام خروقاته القانونيَّة العديدة،ومعاداته للنواة الصلبة صلب وزارته، وخاصَّة جهاز المخابرات،وضغطه اللامتناهي على مختلف النقابات الأمنيَّة بما لها من ثقل في الوزارة،وقد وصل به الغرور إلى إقالة بعض قياداتها،ومع استهدافه الدائم للكادر القويِّ للوزارة خاصَّة عبر الإقالات،لن يستمرَّ على رأس الوزارة،وإن استمرَّ قيس سعيِّد وهذا مستبعد جدًّا،ربَّما يضحِّي بإقالته من أجل تهدئة الشارع السياسي المنتفض،وربَّما يكون مالك الزاهي خصمه الآن خليفته على رأس وزارة الداخليَّة،وليس على رأس رئاسة الحكومة فالأمر أكبر منه،وإن غضَّت بعض الدوائر الغربيَّة الطرف لتوزيره على رأس وزارة الشؤون الاجتماعيَّة,فلن تتسامح معه إن اقترب من وزارة الداخليَّة،أو رئاسة الحكومة،غير أنَّنا ما زلنا ننتظر منه في قابل الأيَّام قبل إعفائه المنتظر أن يقدم على حماقات أخرى من أجل دعم رئيسه قيس سعيِّد،فمع رحيل الأخير سقطت كلُّ تجربة شرف الدين في الماء،وسيحاسب من الجميع.