-التقرير النهائي للبعثة الأمميَّة لليبيا الخاصَّة بملفِّ حقوق الإنسان:

بعثةُ الأمم المتَّحدة لتقصِّي الحقائق في ليبيا ناقشت تقريرها الختامي في مجلس حقوق الإنسان الأممي في جينيف أخيرا، وخلصت إلى نتائج لها تبعاتها حتمًا على الأرض، وأهمُّها الإقرارُ بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان في ليبيا، أو ما وصفته في التقرير بجرائم ضدَّ الإنسايَّة، وهو مصطلحٌ قانوني أممي له استتباعاتهُ القانونيَّة والإجرائيَّة دوليًّا.

في التقريرالذي تلاهُ رئيسُ اللجنةِ محمد أوجار أمام مجلس حقوق الإنسان بجينيف تأكيدٌ لوقع انتهاكات جسيمة سواءٌ ضدَّ الليبيِّين-نشطاء مجتمع مدني ونساء واختفاء قسري للنائب سهام سرقيوة،وقتل حنان البرعصي-، وانتهاكات جسيمة ضدَّ المهاجرين الأفارقة خصوصًا، وتشيرُ اللجنةُ في تقريرها إلى ضرورة محاسبة الأطراف المنتهِكةِ على حدِّ تعبير سفير سويسرا في المجلس، وقد أكِّدَ في التقرير على أنَّ أفرادًا وقادةً من الأجهزة الأمنيَّة متورِّطون في تلك الأعمال.

البرلمانُ الليبي يستنكرُ ما جاء في التقرير خاصَّة في شقِّه المعنيِّ بالمعاملة السيِّئة للمهاجرين معتبرًا وأنَّ ليبيا تمرُّ بمؤامرةٍ دوليَّةٍ فيما يخصُّ ملفَّ المهاجرين الغير شرعيِّين-أي سياسة الإغراق، وهو عينُ ما تمرُّ به جارتها تونس أيضًا-.

حكومةُ طرابلس عبر وزارة خارجيَّتها في شخص الوزيرة المنقوش تدعو الأمم المتَّحدة لدعم مراكز الاحتجاز، وتطلب مساندة دوليَّة في الغرض، في حين يؤكِّد التقرير بأنَّ الدعم الذي يوجَّه لتلك المراكز يذهب إلى جيوب قادة الميليشيات، ومختلف الأجهزة الأمنيَّة، ويطالب بتحقيقٍ دولي في إثراء أولائك القادة خاصَّة.

رئيسُ البعثة أوجار يؤكِّد على أنَّ بعثتهُ أجرت أزيد من 4000 مقابلة مع الشهود والضحايا، وجمعت أكثر من 2800 عنصر منفصل من المعلومات، ونفَّذت13مهمَّة ميدانيَّة، في حين أنَّها أكَّدت كذلك بأنَّ الكثير من الضحايا يرفضون الإدلاء بشهاداتهم خوفًا من إعادة التنكيل بهم.

أوجار يؤكِّدُ بأنَّ الانتهاكات الجنسيَّة قد تمَّت فعلًا حتَّى داخل أماكن الاحتجاز الواقعة تحت السيطرة الفعليَّة أو الاسميَّة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعيَّة، وخفر السواحل، وجهاز دعم الاستقرار.

وقد ذكر أوجار بالاسم بعض تلك الأجهزة المتورِّطة حتَّى في الاستغلال الجنسي للمهاجرين من مثل جهاز الردع، وقوَّات القيادة، وجهاز دعم الاستقرار.

في الأخير خلُصَ التقرير إلى ضرورة التحقيق مع الأفراد الذين يعتقدُ بأنَّهم متورِّطون في تلك الانتهاكات، ونزع السلاح غير الشرعي، والتأهيل، وإعادة الإدماج من أجل إنشاء قوَّات مسلَّحة موحَّدة، وكذلك يطالب بقف جميع المحاكمات العسكريَّة.

تنتهي مهامُّ هذه البعثة فعليًّا والتي انطلقت بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتَّحدة في يونيو حزيران 2020للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في البلاد منذ العام 2016 ،وفي يوليو 2022تم التمديدُ للبعثة بمرَّة واحدة مدَّتها عدَّة أشهر غير قابلة للتجيد.

البعثةُ أشارت في تقررها الختامي إلى الوضع السيِّء الذي يعيشهُ المجتمع المدني في ليبيا من تقييد لنشاطه، وتقييد لحرِّيَّات الفاعلين في المجتمع المدني،وقد أشار التقرير إلى أنَّ البعثة ستشاركُ في المسائل المتعلِّقة بالبعد الجنائي من تلك الأفعال مع المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، وبالتالي فنحنُ على أبواب محاكمات جنائيَّة دوليَّة لأسماء وربَّما لكيانات ليبيَّة تحت أنظار العدالة الدوليَّة ممَّا قد يحقِّقُ العدالة ظاهرًا، ولكنَّهُ لن يزيد الوضع الداخلي الليبي إلَّا تأزيمًا، فلن تزيد تلك المحاكامت إن قرِّر لها دوليًّا أن تتمَّ لقادة الميليشيات والكيانات الليبيَّة المختلفة الحلَّ السياسي على الأرض إلَّا تعقيدًا، ولن تسمح تلك الميليشياتُ والكياناتُ لا بتسليم قادتها للمحاكمة الدوليَّة، ولن تسمحَ كذلك باعتقالهم على الأرض الليبيَّة من أجل تحقيق العدالة، ولاحقًا لن تكون جزءًا من أيِّ حوارٍ ليبي ليبي، أو ليبي أممي من أجل تجريدها من السلاح وإعداة تأهيلها وإدماجها في الدولة كما يتحدَّثُ التقرير عن ذلك.

عددُ المحتجزين من المهاجرين غير النظاميِّين في ليبيا حسب إحصائيَّات الحكومة الليبيَّة 18523 محتجزا،في حين تشكِّك الأمم المتَّحدة في الرقم، وتعتبره أكبر من ذلك بكثير.

إنَّ صدورهذا التقرير في هذه الفترة  بالذات متزامنًا مع محاولة تنفيذ خطَّة باتيلي على الأرض-الانتخابات نهاية السنة- وكذلك إعلان الأمريكان على خطَّتهم العشريَّة لليبيا يجعل الملفَّ الليبي ملفًّا ساخنًا بالنسبة للمنتظم الأممي، وكذلك بالنسبة للفاعلين الدوليِّين وعلى رأسهم الأمريكان، وكأنَّ ليبيا الآن قد التفت إليها المجتمع الدولي التفاتةً نهائيَّةً من أجل وجود حلٍّ للأزمة الراهنة، والمرَّةَ مهما كانت التكاليف.

-الدبيبه وباشاغا وجهًا لوجه:

-يبدو أنَّ المشروع الأممي لليبيا، أو الأمريكي بغطاء أممي يتقدَّمُ وإن بخطواتٍ بطيئةٍ في سبيل وجود حلٍّ للأزمة السياسيَّة الراهنة، والحلُّ على ما يرى المنتظمُ الأممي يكمن في انتخبات رئاسيَّة وتشريعيَّة نهاية هذه السنة، وأمام اشتراط البرلمان ضرورة أن تجري تلك الانتخابات تحت غطاء حكومة واحدة، وهو ما يعني عمليًّا وجود أزمة بين الفرقاء،أو استمرار للأزمة لأنَّها من الأساس موجودة منذ سنوات يحاول المنتظم الأممي والأمريكان أساسًا إجراء حوار مباشر بين الدبيبه والباشاغا في سويسرا هذا الشهر تحت غطاء مركز الحوار الإنساني،علمًا  وأنَّ الأمريكان على ما صرَّح سفيرهم سابقًا في ليبيا لا يعترضون على إجراء الانتخابات في ظلِّ حكومتين، لأنَّ الجهة التنفيذيَّة عمليًّا ستكون خارج غطاء حكومة طرابلس، وأيضًا خارج غطاء حكومة الشرق، أو حكومة التفويض البرلماني، وفي سياق الحوار المزمع عقدهُ هذا الشهرفي سويسرا يُقالُ بأنَّ الدبيبه لا يعترض على دمج الحكومتنين في حكومة واحدةٍ شرط السماح لهُ بالمشاركة في الانتخابات الرئاسيَّة المرتقبة، وهذه من بعض المعضلات التي تعترض الجميع في ليبيا، وربَّما سيوجد لها حلٌّ في الأيَّام القادمة، وذلك لضيق الوقت، إذا ما كان الخيار للانتخابات هو موفَّى هذه السنة،أمَّا المعضلة الكبيرة على ما يرى كثيرٌ من المراقبينَ هي موجة الرفض العارمة الشعبيَّة خاصَّةً لأنَّ للسياسيِّين عادة حسابات أخرى خارج ما يرغبون-الواقعيَّة السياسيَّة- قلنا بأنَّهُ هناك موجة رفض كبيرة شعبيَّة لمشاركة خليفة حفتر وسيف القذَّافي في الانتخابات المقبلة، فهل يمكن السماح لمثل هذه الشخصيَّات بالمشاركة؟، يبدو أنَّ الجواب يخضع للعديد من الحسابات لا بدَّ من مواجهتها مجتمعة مهما كانت مؤلمة.

-شهرُ الصيامِ بدونِ استقرار:

-يعتبرُ البعضُ أنَّ حالة عدم الاستقرار-ولو جزئيًّا- التي تمرُّ بها أنحاءٌ من العاصمة طرابلس أصبحت مقلقة خاصَّةً أمام حالات اختطاف لشخصيَّات ليبيَّة وازنة-عسكريًّا- من أمام منازلهم، أو مواطنين بشكل غير رسمي، وقد أثارت مثل هذه التصرُّفاتُ غير المنضبطة حفيظة البعض في حين تعقد اللجنة 5 زائد 5 مشاوراتها المراطونيَّة من أجل وجود حلٍّ أو شبه حلٍّ لفرض رؤية أمنيَّة متكاملة وموحَّدة لعلَّها تبتدئُ بقوَّةٍ مشتركةٍ موحَّدةٍ لحماية الحدود، تتطوَّرُ مع الوقت لتصبح جيشًا نظاميًّا بقيادة أركان واحدة، قد تقود التجربة لاحقًا لمشروع حلِّ المليشيات المختلفة ونزع السلاح وإعادة الإدماج في الدولة ، وقد شهدت العاصمة طرابلس في هذا الشهر الفضيل اختطاف رئيس جهاز الأمن الداخلي بطرابلس اللواء رشيد الرجباني من أمام بيته، وكان في طريقه إلى المسجد على يدي مجهولين يستقلُّون العديد من السيَّارات، وقد توجَّهت عائلته للسيِّد النائب العامِّ من أجل التدخُّل ومعرفة مصير اللواء رشيد الرجباني وبالتَّالي إطلاق سراحه،كما نعتقد أيضًا لحساسيَّة منصب الرجل بأنَّ الحكومة قد استنفرت على أعلى مستوياتها لفهم الحدث والحادثة والجهة التي تقف راءه، لتلافي أيِّ ردود فعل من الجهاز الأمني الذي يشرف عليه السيِّد اللواء.

في السياق نفسه تمَّ احتجاز النائب حسن الفرجاني-عن ترهونة- من قبل قوَّات الردع الخاصَّة، ولا يعرفُ مصيره ولا سببُ اعتقالهِ أو اختطافه.

تمَّ أيضا اختطاف أو احتجاز أو اعتقال المواطن عبد الرزَّاق البكُّوش، من طرف أفراد من وزارة الداخليَّة، في حين اعتبرت الطريقة التي أوقف أو اختطف بها الرجلُ بعيدة كلَّ البعد عن التصرُّفات الرسميَّة للدولة، وقد لاقت هذه الحادثة استياءً كبيرًا خاصَّة عبر صفحات السوشيال ميديا.

عبد الرزَّاق البكُّوش ظهر قبل اختطافه على الفايسبوك شانًّا هجومًا لاذعًا ضدَّ وزير الداخليَّة الليبي عماد الطرابلسي، ممَّا جعل اعتاقله أو اختطافه معلوم الجهة والسبب.

-هل ترحَّلُ فاغنر من أجل السلام؟:

-بعد لقاء رئيسَي أركان الجيش الليبي في الغرب والشرق  محمد الحدَّاد وعبد الرزَّاق الناظوري في طرابلس في زيارة لاقت استحسان الجميع في سياق لجنة 5 زائد 5 المخوَّلُ لها باتِّفاق الأمم المتَّحدة مع الأطراف الليبيَّة المختلفة النظر في إماكنيَّة توحيد الجيش الليبي وإمكانيَّة نزع سلاح الميلشيات المختلفة، وتأهيلها وإدماجها  لاحقا في الدولة، وعلى أقلِّ تقدير التيسير العمليَّاتي للانتخابات المزمع عقدها نهاية هذه السنة دون عرقلة عسكريَّة أو أمنيَّة،قلنا لاقت  تلك الزيادة من وفد الشرق بقيادة الناظوري للغرب برئاسة الحدَّاد استحسان الجميع ما عدى بعض الأطراف العسكريَّة على الأرض، فقد تمَّ عقد لقاء آخر في واشنطن بين الرجلين الحدَّاد والناظوري وجملة من الضبَّاط من الطرفين وبمشاركة باسم البوعيشي صهر خليفة حفتر، وبالتأكيد عدد من المسؤولين الأمريكان وعلى المرجَّح عسكريِّين أو ضبَّاط من المخبارات، واللافت على ما ذكرت بعض وسائل الإعلام فإنَّ ملفَّ بقاء أو ترحيل فاغنر من ليبيا طُرحَ في ذلك اللقاء للنقاش، وقد لاقى تجاوبًا من طرف الحدَّاد ومن معه،ويبدو أنَّ الرجل كان معه تفويض مسبق من حفتر في البتِّ في المسألة، وكان على علم بجدول أعمال طاولة واشنطن، ويبدو كذلك بأنَّ حفتر ومن معه قد وضعوا ورقة ميليشيا فاغنر للتفاوض، وعلى استعداد للتخلِّي عنها بالطبع مقابل مكاسب سياسيَّة، وقد قيل بأنَّ قوَّات تابعة للواء طارق بن زياد التابعة لصدَّام حفتر قد بدأت فورًا بعد الاجتماع في إعادة الانتشار في مناطق نفوذ فاغنر خاصَّةً في بني وليد ونسمة، كما أنَّ قوَّات أخرى تابعة لحفتر أعادت انتشارها من السدادة إلى جارف، فهل يمكنُ أن نتحدَّث عن قرار ليبي ليبي مدعوم أمميًّا و أمريكيًّا أساسًا بضرورة إنهاء وجود فاغنر في ليبيا من أجل الاستعداد للمحطَّات السياسيَّة المقبلة، ونصف السؤال الآخر والذي ستكشف عن إجابته الأيَّام ما هو الثمنُ الذي ستدفعه حكومة الغرب الليبي من أجل إنهاء وجود فاغنرفي ليبيا؟

أمريكا وفاغنر في ليبيا:

-دعت السفارةُ الأمركيَّةُ في ليبيا الجهات المسؤولة محلِّيًّا لطرد جميع القوَّات الأجنبيَّة من ليبيا بما في ذلك مجموعةُ فاغنر، والتي اعتبرتها السفارةُ في بيانها الأخيرِ بأنَّها منظَّمة إجراميَّة عابرة للحدود،قد ارتكبت جرائم حرب في ليبيا، فهل لهذا الإعلان الأمريكي علاقة بالمفاوضات التي جرت بين الحدَّاد والناظوري في واشنطن؟، وكان موضوع فاغنر على الطاولة بينهما والوفد المرافق، وربَّما تماهيًا مع التقرير النهائي الخاصِّ بملفِّ حقوق الإنسان الخاصِّ بليبيا، والذي تُليَ في جلسة عامَّة في مقرِّ المنتظم الأممي في سويسرا.

بيانُ السفارة أشار إلى أنَّ واشنطن ستستخدمُ جميع أدواتها وسلطتها لمحاسبة جميع منتهكي حقوق الإنسان في ليبيا، وإذا اعتبرنا وأنَّ التقرير النهائي يشيرُ إلى أجهزة رسميَّة في الدولة وشخصيَّاتٍ وازنةٍ بعينها، فما مستقبلٌ العلاقة إذن بين واشطن والحكومة الرسميَّة في الغرب الليبي؟، أو مع الأطراف الرسميَّة المتورِّطة في الانتهاكات في الشرق الليبي؟، أم أنَّ الأمر للمزايدة السياسيَّة فقط من أجل أن تضغط الولايات المتَّحدةُ من أجل عدم تعطيل خطَّتها العشريَّة الخاصَّة بليبيا من أيِّ طرف خوفًا من مساءلته أمريكيًّا بما لها من أيادي طائلة.