انهيار سد وادي درنة: العوائق والتحديات أمام تحقيق دولي.
في ليلة 11 من سبتمبر وفي حدود الساعة 2:30 صباحا انهار سدا وادي درنة الواقعان جنوب المدينة، الأول السد العلوي ويحمل اسم سد البلاد، بسعة تخزين تبلغ 1.5 مليون متر مكعب من المياه، والثاني هو سد أبو منصور (السفلي)،والذي يسع لـ 22.5 مليون متر مكعب. وقد قامت الشركة اليوغسلافية (Hidrotehnika) ببناء السدين وفق نموذج يسمى أختصاراً (Earth Dams) او الجسر الترابي. وقد أدى الانهيارإلى فيضانات وانهيارات أرضية أودت بحياة ما لا يقل عن 7000 شخص وفقدان ما لا يقل عن 10000 آخرين، وفق آخر تصريحات لرئيس بعثة الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر تامر رمضان، وقد تسببت في أضرار واسعة النطاق للبنية التحتية والمنازل.
تشير التحقيقات الأولية إلى أن انهيار سد وادي درنة كان ناتجًا عن مجموعة من العوامل الفنية، بما في ذلك:
- التصميم الضعيف: فقد كان السد مصممًا لتحمل كمية معينة من المياه، ولكن الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة في سبتمبر 2023 تجاوزت هذه السعة. حيث تجاوزت 115 مليون مترا مكعباً من المياه في سابقة لم تحدث من قبل.
- الصيانة السيئة: كان السد يعاني من مشاكل صيانة منذ سنوات، مما أضعف بنيته، وبينت دراسة للدكتور عبدالونيس عبدالعزيز رمضان عاشور، جامعة عمر المختار بالبيضاء الخطر الذي تواجهه هذه السدود من جراء الإهمال.
- التآكل: تعرض السد للتآكل بسبب عوامل طبيعية، مثل الرياح والأمطار، مما أضعف بنيته أيضًا.
بالإضافة إلى الأسباب الفنية المذكورة أعلاه، هناك احتمال العمل التخريبي: الذي قد يكون السد قد تعرض له بالتتفجير أو أعمال تخريبية أخرى، مما أدى إلى انهياره. حيث سمع السكان صوت انفجار قبيل حدوث الفيضان.
من المهم إجراء تحقيق دولي شامل لتحديد أسباب انهيار سد وادي درنة. وسيساعد هذا التحقيق في تحديد المسؤوليات المحتملة للانهيار، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار الحوادث المماثلة في المستقبل.
أحداث مشابهة لانهيار السدود وسبل التعامل معها.
في عام 1963انهار سد فاجيرو في إيطاليا، حيث سفر هذا الانهيار عن مقتل أكثر من 2000 شخص. وقد كان السد يعاني من مشاكل في الصيانة ، مما أضعف بنيته.
وقد تعاملت إيطاليا مع انهيار سد فاجيرو بإجراءات قانونية وإدارية وفنية.
الإجراءات القانونية:
بعد انهيار السد، تم إجراء تحقيق قضائي، أدى إلى محاكمة 19 شخصًا، بينهم مهندسون ومسؤولون حكوميون. تم إدانة 15 شخصًا من بينهم، وحكم عليهم بالسجن لمدة تصل إلى 15 عامًا.
الإجراءات الإدارية:
أنشأت الحكومة الإيطالية هيئة جديدة لتنظيم السدود، وهي الهيئة الوطنية للسدود. تتمتع هذه الهيئة بسلطة إصدار تراخيص بناء السدود ومراقبتها.
الإجراءات الفنية:
قامت الحكومة الإيطالية بإجراء مراجعة شاملة لسلامة السدود في البلاد. وأجريت إصلاحات على العديد من السدود، وأغلقت بعض السدود التي كانت تعتبر غير آمنة.
وهناك بعض الإجراءات المحددة التي اتخذتها إيطاليا لمنع تكرار انهيار سد فاجيرو:
- تحديث معايير السلامة: قامت الحكومة الإيطالية بتحديث معايير السلامة للسدود، لتتوافق مع المعايير الدولية.
- تحسين المراقبة: قامت الحكومة الإيطالية بتحسين نظام مراقبة السدود، لضمان الرصد المستمر لحالة السدود.
- زيادة الاستثمار في الصيانة: قامت الحكومة الإيطالية بزيادة الاستثمار في صيانة السدود، لضمان سلامتها.
أدت هذه الإجراءات إلى تحسين سلامة السدود في إيطاليا، ومنع تكرار حوادث مماثلة.
عودة لسد وادي درنة.
أثار انهيار السد أسئلة كبيرة حول السلامة والمسؤولية. وقد طالبت العديد من المنظمات، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بإجراء تحقيق دولي للكشف عن أسباب الانهيار وتحديد المسؤولين.
أسباب المطالبة بتحقيق دولي:
هناك عدد من الأسباب التي تدعو إلى إجراء تحقيق دولي في انهيار سد وادي درنة، منها:
- تحديد أسباب الانهيار: فمن المهم تحديد أسباب الانهيار لتجنب تكرار الحوادث المماثلة في المستقبل. قد يكشف التحقيق عن مشاكل في تصميم أو بناء أو صيانة السد، مما يمكن أن يساعد في منع حدوث حوادث مماثلة في المستقبل.
- محاسبة المسؤولين: إذا ثبت أن المسؤولين عن الانهيار ارتكبوا أخطاء، فمن المهم محاسبتهم. سيساعد ذلك في تحقيق العدالة للضحايا وأسرهم.
- تقديم تعويضات للضحايا: يحتاج الضحايا وأسرهم إلى تعويضات عن الخسائر التي تكبدوها. يمكن أن يساعد التحقيق الدولي في تحديد المسؤولين عن الانهيار، والذين قد يكونون مسؤولين عن دفع التعويضات.
وهناك عدد من المنظمات الدولية التي يمكن أن تلعب دورًا في إجراء تحقيق دولي في انهيار سد وادي درنة، منها:
- الأمم المتحدة: يمكن للأمم المتحدة أن تكلف إحدى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC)، بإجراء التحقيق، وخصوصاً أن ليبيا تخضع للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والقرار رقم 1973 الذي يقضي باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين.
- الاتحاد الأوروبي: يمكن للاتحاد الأوروبي أن يدعم إجراء تحقيق دولي من خلال توفير الموارد المالية أو الفنية. والضغط على الحكومات والأجسام السياسية القائمة في ليبيا.
من المهم أن يشمل التحقيق جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة الليبية والشركات الخاصة التي كانت مسؤولة عن بناء وصيانة السد. يجب أن يكون التحقيق مستقلًا وشفافًا، ويجب أن يصدر تقريرًا كاملاً عن نتائجه.
عوائق التحقيق الدولي:
هناك عدد من العوائق التي تعترض إجراء تحقيق دولي في انهيار سد وادي درنة. من هذه العوائق:
- ضعف الحكومتين اللتين تسيطر إحداهما على شرق البلاد والأخرى غربها، مما يجعل من الصعب عليهما إجراء تحقيق مستقل. ناهيك عن تملص هاتين الحكومتين من أي تحقيق قد يصل إلى إدانة بعض المسؤولين فيهما.
- الخلاف السياسي حول المسؤول عن الإهمال، فهناك من يلقي باللائمة على الحكومات الليبية المتعاقبة، بينما يلقي آخرون باللائمة على الجنرال خليفة حفتر المسيطر على شرق البلاد حيث كانت الحكومات التي تقع تحت سيطرته من زمن حكومة عبدالله الثني إلى حكومة أسامة حماد مطية وقفاز لمصادرة أي أموال تقع تحت تصرفها لزيادة سيطرته بتوفير الأسلحة وشراء الولاءات والذمم، فكانت الميزانيات التي تخصص لصيانة السدود عرضة للمصادرة من قبل الجنرال.
- هناك مخاوف من أن إجراء تحقيق دولي قد يؤدي إلى زيادة التوتر في ليبيا. فليبيا تمر بفترة انتقالية، وإجراء تحقيق دولي قد يؤدي إلى تقويض جهود المصالحة، حيث سيسعى الطرف الذي توجه إليه التهمة بافتعال التوترات والأزمات.
أهمية التحقيق الدولي:
على الرغم من هذه العوائق، فإن إجراء تحقيق دولي في انهيار سد وادي درنة أمر ضروري لعدة أسباب، منها:
- تحديد أسباب الانهيار: فمن الضروري معرفة سبب انهيار السد حتى يمكن اتخاذ إجراءات لمنع تكرار مثل هذه المأساة.
- تحديد المسؤولين: من المهم تحديد المسؤولين عن الانهيار حتى يمكن محاسبتهم.
- تحقيق العدالة: من حق الضحايا وأسرهم معرفة الحقيقة والحصول على العدالة.
دور الجهات الفاعلة في المطالبة بالتحقيق الدولي:
على الرغم من العوائق التي تعترض المطالبة بتحقيق دولي، إلا أن هناك عددًا من الجهات التي يمكنها الضغط من أجل إجراء هذا التحقيق. ومن هذه الجهات:
- منظمات المجتمع المدني: حيث يمكن لمنظمات المجتمع المدني لعب دور مهم في الضغط على الحكومة الليبية والدول الأخرى لضمان إجراء تحقيق عادل وشفاف.
- الحكومات الغربية: يمكن للحكومات الغربية أن تلعب دورًا مهمًا في دعم المطالبة بتحقيق دولي. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمكنهما الضغط على الحكومة الليبية لفتح تحقيق دولي، وتقديم الدعم المالي والفني لهذا التحقيق.
- الشعب الليبي بكل أطيافه: حيث يمكنهم لعب دور مهم في المطالبة بتحقيق دولي. فتنظيم المظاهرات والاحتجاجات ونشر المعلومات حول الحادث وجمع الأدلة وتوثيق الشهادات يمكن أن يساعد في الضغط على الحكومة الليبية والدول الأخرى لضمان إجراء تحقيق عادل وشفاف.