هذا البحث هو مشروع تخرج في مادة الفكر السياسي الغربي ضمن مقررات الحصول على دبلوم العلوم السياسية والعلاقات الدولية. من تاليف الاستاذ عبدالله محمد عمر عبدالله. 31/12/2020 باشراف الدكتور/ محمد عفان.
الفرق بين الأيديولوجيات الليبرالية والاشتراكية والفاشية في الفكر السياسي الغربي من حيث:
- القيم السياسية الأساسية.
- طبيعة الفرد وعلاقته بالمجتمع.
- وظيفة الدولة.
- التفضيلات الشخصية بين هذه الرؤى المتباينة. .
المقدمة
لا شك أن الفكرالسياسي الغربي نشأ أول ما نشأ في أطوار متعددة وكان له رواد وضعوا أسسه وراكموا تجاربه، وانقسم إلى مدراس ومناهج وأيديولوجيات، كالليبرالية والماركسية والنازية والفاشية والاشتراكية.
وفي هذا البحث اخترنا الحديث عن الفروق بين الأيديولوجيا الليبرالية والاشتراكية والفاشية من حيث :
القيم السياسية.
طبيعة الفرد وعلاقته بالمجتمع.
وظيفة الدولة.
وما هو المفضل بين هذه الرؤى المتباينة.
وذلك لفهم الخلفية التي انبنت عليها النظم السياسية والمعتقدات السياسية في أوروبا الغربية في العصرالحديث والتفاعل معها في بناء أيديولوجيا متماسكة يمكن تطبيقها في عصر الدولة الحديثة .
أهمية الموضوع :
وتنقسم أهمية تناول هذا الموضوع إلى قسمين:
أهمية علمية على مستوى النظريات والمفاهيم والمناهج.
وأهمية عملية ومن يمكنه الاستفادة من هذا البحث.
الأهمية العلمية :
يتناول البحث المقارنة بين ايديولوجيات ما بعد الثورة الفرنسية، ويحاول إيجاد الفروق والتباينات بينها حول النظرة إلى الإنسان والدولة والمجتمع،
الأهمية العملية:
يمكن أن تضيء هذه الدراسة بعض المعالم للدراسين والباحثين في حقل العلوم السياسية ، وليست بالتي تغني عن غيرها لكن تفتح مصراعاً للولوج إلى مساحات مترامية من الأفكار والمعتقدات السياسية المؤثرة في كثير من الاتجاهات السياسية للدولة الحديثة والمنظمات الدولية التي نشأت نتيجة للصراع بين هذه الأيدديولوجيات.
الأهداف الأساسية للبحث:
1 تكوين تصور واضح عن معتقدات سياسية حكمت دولا وامبراطوريات على مدى عصور امتدت إلى مئات السنين.
2 تحليل السياسات الدولية واكتشاف الدوافع الحقيقة وراء كثير من الأحداث العظمى في العصورالحديثة .
3 اكتشاف سر التقارب بين دول وكتل دولية ومنظمات وجماعات سياسية بناء على معرفة خلفيتها الأيديولوجية.
المشكلة البحثية:
لوجود التشابه في رؤية بعض الأيديولوجيات للإنسان والدولة والمجتمع وكذلك للتباين الكبير بينهما في كثير من الأوجه كان السؤال في المشكلة البحثية.
حدود الدراسة:
تم اختيار العنوان بناء على النطاق البحثي المعتمد اتباعه فكان حول مقارنة الإيديولوجيات الليبيرالية والاشتراكية والفاشية في القرن 19 و 20
وحيث إن هذه الإيديولوجيات نشأت وانتشرت في أوروبا كان لزاماً التزام النطاق المكاني وهو مهد هذه الأيديولوجيات.
منهج الدراسة:
اعتمدت في هذا البحث على المنهج الاستقرائي، حيث ننتقل من وصف أجزاء الظاهرة وتحليلها وتفسيرها وصولاً إلى السيناريوهات المحتملة.
مراجع الأدبيات السابقة:
تم اعتماد عدة مراجع في هذه الدراسة ومن أهمها كتاب: مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية-أندرو هيود، و الموسوعة الفلسفية العربية، معن زيادة، وغيرها.
تقسيم الدراسة:
تم تقسيم الدراسة إلى أربعة فصول، الفصل الأول الحديث عن القيم الأساسية لليبرالية والاشتراكية والفاشية، والفصل الثاني في الكلام عمن طبيعة الفرد وعلاقته بالمجتمع في هذه الأيديولوجيات الثلاثة والفصل الثالث عن وطيفة الدولة في هذه الأيديولوجيات، والفصل الرابع رأي بين هذه الرؤى.
تمهيد:
يقول: جون ماينارد كينز:
(إن الرجال العمليين، الذين يعتقدون بأنهم بعيدون عن أية تأثيرات فكرية، هم في العادة عبيد لبعض علماء الاقتصاد الميتين. وأولئك المجانين في مقاعد السلطة، الذين يسمعون أصواتاً في الهواء إنما يستخلصون حيلهم من كاتب أكاديمي تافه عاش منذ بضع سنوات ماضية). ([1])
في عصر الأنوار وبعد الصراع الذي حصل بين الكنيسة والمفكرين خرج مصطلح الإيديولوجيا والذي اختلف في تفسيره كثيرا منذ الثورة الفرنسية وحتى اليوم، و قد حاول العروي حصرها في أربعة اقسام بعد أن عرب اللفظة إلى الأدلوجة يمكننا اختصارها فيما يلي:
- الأدلوجة بمعنى مجموع القيم والأخلاق والأهداف التي ينوي تحقيقها أي حزب على المدى القريب والبعيد.
- النظرة التي يلقيها رجل النهضة إلى الكون والمجتمع والفرد والتي يندرج تحت قواعدها العامة كل تقرير أو حكم صدر في عصر النهضة.
- ما يقابل مفهوم الحق فالحق ما يطابق ذات الكون والأدلوجة ما يطابق ذات الإنسان في الكون.
- تأويل الوقائع بكيفية تظهرها دائما مطابقة لما يعتقد أنه الحق ([2])
فكل استخدام له خلفية فكرية تحدد استخدام اللفظ لدى أصحابه، ولذلك نجد أن الأيديولوجيا ذمت لدى قوم ومدحت عند آخرين، فـ”أول من استخدم تعبير «الأيديولوجيا» الفيلسوف الفرنسي أنطوان دستوت دو تراسي [Antoine Destut de Tracy] (1754 أو 1755 – 1836) في كتابه: «مشروع عناصر الأيديولوجيا» (1801م)، وهو فيلسوف ينتمي إلى المثقفين الفرنسيين ذوي النزعة الأنوارية .
ثم استعمله بعد ذلك نابليون بطريقة سلبية للحطّ من شأن هؤلاء المثقفين الأحرار أصدقاء (دو تراسي)، وهم أعضاء «أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية»، أمثال الفيلسوف الحسي: كونديلاك (Condillac)، والطبيب كابانيس (1808) (Cabanis)، والأخلاقي فولني (C. Volney)
وقد أطلق عليهم اسم: الأيديولوجيين([3])
إذن، فمصطلح الأيديولوجيا غربي المنشأ يعبر عن الصراع الفكري الذي نشأ في أوروبا بين الاتجاهات الفكرية.
الليبرالية:
هي مذهب فكري يركز على الحرية الفردية، ويرى وجوب احترام استقلال الأفراد، ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل حرية التفكير، والتعبير، والملكية الخاصة، والحرية الشخصية وغيرها([4])
الاشتراكية:
الاشتراكية، هي نظام أو أيدلوجيا اقتصادية واجتماعية، تدعو إلى الملكية العامة بدلا من الملكية الخاصة، أي السيطرة على الممتلكات والموارد الطبيعية، حيث يرى الاشتراكيون أن الأفراد لا يعيشون أو يعملون بمعزل عن المجتمع، بل يعيشون بالتعاون مع بعضهم البعض، وكل ما ينتجه الناس هو نتاج للمجتمع كله، ومن يساهم في إنتاج سلعة يحق له الحصول على حصة فيها، ولذلك، ينبغي للمجتمع أن يمتلك كل شيء، أو على الأقل يتحكم في الممتلكات لصالح جميع أعضائه.
وبموجب ذلك النظام، تنتهي الملكية الفردية، بمعنى عدم امتلاك الأفراد أي ثروة تحتاج في استغلالها إلى عمالة، لكن من الممكن أن يمتلك أدوات البيت والملابس الشخصية والمسكن، طالما أن هذا الملك لا يضر الآخرين، وتهدف الاشتراكية من وراء نزع ملكية الفرد إيجاد فرصة لتساوي الناس في الإثراء، وعندها يلغى الإرث، لأنه ينافي الحرية الاقتصادية، التي تساوي بين الناس، ولا تميز أحدهم عن الآخر إلا بالميزات الطبيعية.([5])
الفاشية:
هي فكرة الجماعة القومية ذات الوحدة العضوية التي تلخصها عقيدة “القوة بواسطة الوحدة” أما الفرد فهو لا شيء بالمعنى الحرفي للكلمة، إذ يجب أن تذوب الهوية الفردية تماما في المجتمع أو الجماعة. والمثال الفاشستي هو الإنسان الجديد أو البطل الذي يحفزه الواجب والشرف والتضحية بالذات، وهو على استعداد لأن يهب حياته في سبيل مجد أمته أو جماعته العرقية، ولأن يمنح القائد الأعلى طاعة مطلقة(.([6]
الفصل الاول: الفرق بين القيم السياسية الأساسية لليبرالية والاشتراكية والفاشية.
المطلب الأول: القيم السياسية لليبرالية.
يفترض الليبراليون عادةً بأن البشر يمتلكون بصورة طبيعية “الحرية التامة لتنظيم أفعالهم، كما تناسبهم، دون طلب إذن، أو اعتماد على إرادة شخص آخر.” (Locke, 1960 [1689]:287) ، وقد ناقش مِل بأن “عبء التسويغ يقع على عاتق معارضي الحرية، من المدافعين عن أي شكل للقيد، أو الحظر، وذلك لأن الافتراض القَبْلي في صالح الحرية” (1963, vol. 21: 262). كما يتفق المفكرون الليبراليون المعاصرون، مثل جويل فاينبرغ(1984: 9) ، وستانلي ِبن(1988: 87) ، وجون رولز(2001: 44, 112) على ما يمكن تسميته بالمبدأ الليبرالي الأساسي (Gaus, 1996: 162–166) وهو: الحرية هي المعيار الأساسي، لذا فإن عبء التسويغ يقع على عاتق من يرغب في استخدام الإكراه للحد من الحرية”، ويترتب على ذلك أن السلطة السياسية والقانون يجب أن يبررا نفسيمها، وبالتالي، فإن السؤال الجوهري للنظرية السياسية الليبرالية هو ما إن كان بالوسع تبرير السلطة السياسية، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف؟([7])
المطلب الثاني: القيم السياسية للاشتراكية.
(تعد القيمة المركزية بل والمحددة للاشتراكية مثلما يذكر البعض هي المساواة، وخصوصا المساواة الاجتماعية. ويؤمن الاشتراكيون بأن المساواة الاجتماعية هي الضمان الرئيسي للاستقرار والتماسك الاجتماعي، وأنها تشجع الحرية، بمعنى أنها تشبع الاحتياجات المادية وتقدم أساس التنمية الشخصية).([8])
المطلب الثالث: القيم السياسية للفاشية:
الأيديولوجيا الفاشية شعاراتها التي قد تكون إيجابية جداً (الاتحاد ـ النظام ـ العمل) نحن نريد أن نتحد جميعاً وأن ينتظم المجتمع ويعيش في حياة منظمة، وأن نعمل، لكن عندما نفهم أن هذه القيم تعني الاتحاد بمعنى غياب الصوت الآخر، تعني أنه لا يوجد معارضة لا يوجد خلافات، كلنا على رأي واحد وعلى فكر واحد.([9])
الفصل الثاني: طبيعة الفرد وعلاقته بالمجتمع بين الليبرالية والاشتراكية والفاشية.
المطلب الأول: طبيعة الفرد وعلاقته بالمجتمع في الليبرالية.
ويعد الإيمان بأولوية الفرد هو الملمح المميز للأيديولوجيا الليبرالية، لكنها أثرت على الفكر الليبرالي بطرق مختلفة. فقد قادت تلك الفكرة بعض الليبراليين للنظر للمجتمع باعتباره مجرد مجموعة من الأفراد، يسعى كل منهم لإشباع احتياجاته ومصالحه؛ وتعادل هذه النظرة مفهوم الذرية، فهي تقود إلى الاعتقاد بأن المجتمع نفسه غير موجود، لكنه مجرد مجموعة من الأفراد المكتفين بذواتهم. وتقوم هذه الفردية المتطرفة على التسليم بأن الفرد أناني ويسعى وراء مصلحته بصورة أساسية ويعتمد على ذاته بدرجة هائلة. ووصف سی بی ماكفرسون» (۱۹۷۲) الليبرالية المبكرة بأنها “فردية اقتنائية لأنها تنظر إلى الفرد باعتباره ” المالك لشخصه أو لقدراته، ولا يدين في ذلك بأي شيء للمجتمع”. وفي مقابل ذلك، حمل الليبراليون المتأخرون نظرة أكثر تفاؤلا عن الطبيعة البشرية، وكانوا أكثر استعدادا للاعتقاد بأن الأنانية بلطفها الإحساس بالمسئولية الاجتماعية، وخصوصا المسئولية تجاه غير القادرين على رعاية أنفسهم. وسواء كانت الأنانية مطلقة العنان أم مقيدة بالإحساس بالمسئولية الاجتماعية، يتوحد الليبراليون وراء الرغبة في خلق مجتمع يستطيع فيه كل فرد أن ينمى ويثري قابلياته أو قابليتها للحد الأقصى.([10])
المطلب الثاني: طبيعة الفرد وعلاقته بالمجتمع في الاشتراكية.
الاشتراكيون أقل استعدادا بكثير من الليبراليين أو المحافظين للاعتقاد أن الطبيعة البشرية لا تتغير أو ثابتة منذ المولد . بل إنهم يؤمنون أن الطبيعة البشرية “بلاستيكية”، تشكلها الخبرات وظروف الحياة الاجتماعية. وفي ذلك الجدال الفلسفي الممتد حول ما إذا كانت “الطبيعة” أم “التربية” تحدد السلوك البشري، يصطف الاشتراكيون بشكل حاسم إلى جانب التربية. فمنذ المولد – وربما حتى أثناء وجوده في الرحم – يتعرض كل فرد إلى خبرات تشكل وتكيف شخصيته أو شخصيتها. وكل المهارات والخصائص البشرية يتم تعلمها من المجتمع، من حقيقة أننا نتبع باستقامة اللغة التي نتحدثها. وفي حين يقيم الليبراليون تفرقة واضحة بين “الفرد والمجتمع”، يؤمن الاشتراكيون أن الفرد لا يقبل الانفصال عن المجتمع. فالبشر ليسوا مكتفين ذاتيا ولا مستقلين؛ والنظر إلى البشر كأفراد منفصلين أو على هيئة ذرات هو مجرد لغو.
ولا يمكن فهم الأفراد من قبل الآخرين أو فهمهم لأنفسهم إلا من خلال الجماعات الاجتماعية التي ينتمون إليها. ولذلك يخبرنا سلوك البشر الكثير عن المجتمع الذي يعيشون فيه والذي نشأوا فيه، أكثر مما يخبرنا عن الطبيعة البشرية الراسخة أو غير القابلة للتغيير.([11])
المطلب الثالث: طبيعة الفرد وعلاقته بالمجتمع في الفاشية.
الدولة الفاشية لها الحق في السيطرة على جميع مجالات الحياة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وقال موسوليني إن الديمقراطية ليست مناسبة لإيطاليا. وقال إنه ليس لديه إيمان بثلاث قواعد رئيسية للديمقراطية؛ الحرية والمساواة والإخاء. وأعلن أن الحرية ليست حق الشعب بل لطف من الدولة. ذلك يعتمد على إرادة الدولة سواء أرادت إعطاء حقوق للشعب أم لم ترد. يجب على الناس أن يهتموا بأداء واجباتهم أكثر من إطلاق الكفاح من أجل حقوقهم. ووفقا للفاشيين، فإن المساواة لا طائل منها، لأن الطبيعة لم تجعل الجميع متساوين، وبالتالي، لا يمكن اعتبار الأشخاص القادرين والعاجزين متساوين.([12])
الفصل الثالث: وظيفة الدولة في الليبرالية والاشتراكية والفاشية.
تنقسم وظائف الدولة إلى وظائف أساسية ووظائف ثانوية، فالوظائف الأساسية هي الأعمال التي تنحصر في سعي الدولة إلى المحافظة على
سلامتها من الداخل والخارج، وإقامة العدل بين السكان. هذه الوظائف تعبر عن الحد الأدنى لما يجب أن تقوم به أي دولة، وهي تشمل:
1- وظيفة الدفاع الخارجي، وذلك بتأمين الدولة ورعاياها، من أي اعتداء خارجي عن طريق إقامة الجيوش فيها.
2 – وظيفة الأمن الداخلي وذلك بالسهر على تحقيق الأمن وحماية المواطنين في أنفسهم وأموالهم، من أي اعتداء يمكن أن يتعرضوا له. الأمر الذي يقتضي إقامة قوات الأمن، والشرطة، لمنع وقوع الجريمة وتعقب مرتكبيها إن وقعت.
3- تحقيق العدل بين الأفراد، وذلك بإقامة القضاء للفصل بين المنازعات التي تنشأ بينهم.
وإذا كانت هذه الوظائف الأساسية للدولة تعد أعمالا رئيسية وتعبر عن أدنی واجباتها، فهي مرتبطة أيضا مع وجودها ولا خلاف عليها، فإن هناك أعمالا أخرى ثانوية تقوم بها الدولة بهدف تحقيق خير الجماعة وإسعادها تتعلق بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . هذه الأعمال ما زالت محل اختلاف ظاهر بین الدول المعاصرة، وذلك لاختلاف المذهب، أو «الأيديولوجية»، الذي تنتمي إليه كل دولة من هذه الدول.([13])
المطلب الأول: وظيفة الدولة في الليبرالية.
لخصت الليبرالية ودعاتها وظيفة الدولة تجاه الأفراد بشعار (دعه يعمل دعه يمر) وذلك راجع إلى الجذور الفكرية التي قامت عليها الليبرالية، فنظرية العقد الاجتماعي عند منظريها جان جاك روسو وجون لوك تفترض أن الأفراد كانوا يعيشون وفق مبادئ القانون الطبيعي، حيث لعبت دورا هاما بإعطاء دفع لتطبيق هذا المذهب الفردي على أساس أن الأفراد تعاقدوا من أجل الحفاظ وتنظيم حقوقهم وحرياتهم.
فالدولة لا تمارس من الوظائف إلا التي تسمح لها بالحفاظ على كيانها ويعاونها على في مواجهة العدوان الخارجي والحفاظ على الأمن والنظام داخل إقليمها، وبالتالي فإن وظائفها تنحصر في مرافق الدفاع والأمن والقضاء وتجاوز هذا الحد يؤدي إلى المساس بحقوق وحريات الأفراد ويعتبر خروجا عن القانون الطبيعي.([14])
المطلب الثاني: وظيفة الدولة في الاشتراكية
وظائف الدولة في المذهب الاشتراكي غير مقيدة على غرار المذهب الفردي. حيث تمتلك الدولة جميع وسائل الإنتاج في المجتمع زراعة، صناعة، تجارة. كما تتولى إلغاء الملكية الفردية لأنها النواة الأولى لقيام النظام الطبقي، حسب أراء الاشتراكيين. تتدخل الدولة في الشؤون الاجتماعية من تعليم وصحة من أجل تأمين أفراد الشعب. يستلزم تقوية وتدعيم الجهاز التنفيذي بازدياد اختصاصاته وسلطاته. يطلب من الدولة دور إيجابي فعال في المذهب الاشتراكي:
في المجال السياسي: يعمل من أجل إرساء المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة وتطبيقها.
في المجال الاجتماعي: إلغاء الفوارق بين الطبقات في ظل مجتمع تسوده المساواة العامة.
في المجال الاقتصادي: القضاء على الرأسمالية، وتحويل أغلب وسائل الإنتاج إلى ملكية عامة ومشاعة([15])
المطلب الثالث: وظيفة الدولة في النظام الفاشي.
الدولة التوتالیتارية في الأيديولوجيا الفاشية هي الصورة العليا الشاملة للحياة الاجتماعية. وهي باخضاعها أو تضمنها لجميع أشكال التنظيم الاجتماعي الأخرى، توحد ذاتها مع المجتمع والشعب والأمة. وليس لأي من الجماعات أو المؤسسات الاجتماعية أو الأفراد الحق في الوجود إلا كأعضاء، وعناصر لذلك الكل الشامل. يقول موسوليني 1883-1945
الكل في الدولة، ولا قيمة لشيء إنساني أو روحي خارج الدولة ، فالفاشية توتاليتارية، والدولة الفاشية تشمل وتوحد جميع القيم؛ وهي التي تؤول هذه القيم وتفسرها. إنها تطور وتعيد صياغة قوى حياة الشعب كلها. ويؤكد روكو با «بالنسبة للفاشية ، المجتمع هو الهدف، أما الأفراد فوسائل ؛ وكل الحياة تكمن في استخدام الأفراد للأغراض الاجتماعية”.
والدولة التوتالیتارية كل، هي كتلة واحدة لا تقبل بفصل السلطات أو بأي شكل من أشكال الديموقراطية التي عرفها الغرب. وكل معارضة لهذا الكل تحطم بالقوة. فلا رأي ولا تنظيم ولا تكتل خارج سلطة الدولة ([16]).
الفصل الرابع: رأيٌ بين هذه الرؤى.
من الطبيعي أن تختلف الأيديولوجيات في تصوراتها وتقييمها ومنطلقاتها، فكما أن الليبرالية بكل دراجاتها تختلف بل وتتصارع مع الاشتراكية والنازية والفاشية على إثبات الصلاحية باحتواء الهوية والدافعية للأفراد والمجتمعات، فكذلك الحال مع باقي الأيديولوجيات التي استعصت على الذوبان والانمحاء، ومع اعتراضنا على اطلاق الاصطلاح(أيديولوجيا)
على الإسلام إلا انه جدير بالقول أن الليبرالية في قيمها ومنطلقاتها تتناقض مع الإسلام، وكذلك الاشتراكية والفاشية.
فالإسلام دين، والدين بما يشتمل عليه من معتقدات وعبادات وضوابط للمعاملات وآداب وسلوك= تحدد وتقنن فهم القيم الكبرى الإنسانية، وتضع القواعد لبناء المنهجيات وتحديد الأهداف وصناعة الحضارة.
وكما أن الصراع بين الإيديولوجيات الاشتراكية والليبرالية والفاشية ظل قائما في أوربا ونشأ عن ذلك حربان عالميتان حتى انتصرت الاشتراكية والليبرالية على النازية والفاشية، قامت حرب باردة بين الأخيرتين استمرت عقوداً حتى سقط جدار برلين وسقط تبعاً له الاتحاد السوفيتي راعي الاشتراكية والشيوعية في العالم.
فهذا صراع ولد بين أيديولوجيات لها منطلقات وتصورات واحدة، ونشأت على أنقاض موروث ديني واحد، وعاشت قروناً تحت مظلة حضارة واحدة، فمن باب أولى قيام الصراع بين الإسلام كدين أشمل من الأيديولوجيا ووريثة الأيديولوجيات الأوروبية (الليبرالية).
وما كتبه هنغنتون وفوكوياما – مع اختلافنا في نتيجة أبحاثهما- إلا أن الواقع يحكي صدق التوصيف الذي وصلا إليه.
{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين }. سورة هود، الآية 118-119 .
المصادر والمراجع
- مدخل إلى الايديولوجيات السياسية: آندرو هيود، ترجمة محمد صفار، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى 2012.
- العروي عبد الله، مفهوم الأيديولوجيا، المركز الثقافي العربي،الطبعة الثامنة 2012 .
- النادي محمد فتحي، الأيديولوجيا: قراءة تأسيسية في البنية المفاهيمية
، مقال منشور على موقع المعهد المصري للدراسات.
- موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة، إعداد: مجموعة من الباحثين1/190
- الموسوعة السياسية، الاشتراكية – Socialism
- الليبرالية – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: أمين حمزاوي، مراجعة: سيرين الحاج حسين، منشور على موقع حكمة: https://cutt.us/bVVVc
- محاضرة للدكتور: محمد عفان بعنوان: القيم في الأيديولوجيات، على موقع اليوتيوب صفحة رؤية للفكر. https://youtu.be/NpLveMVtsCo
- الغول عبدالله، النقاط العشرة لفهم الفاشية ونقدها، مقال على موقع الجزيرة نت https://cutt.us/cLm39
- الخطيب نعمان أحمد، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة السابعة 2011.
- انظر بحث بعنوان: وظائف الدولة بين الفكر الليبرالى والاشتراكي والإسلامي، منشور على موقع: ملتقى الباحثين السياسيين العرب
- http://arabprf.com/?p=406
- زيادة معن، الموسوعة الفلسفية العربية، الناشر: معهد الإنماء العربي، الطبعة الأولى 1986.
([1]) مدخل إلى الايديولوجيات السياسية: آندرو هيود، صفحة 247
([2]) مفهوم الأيديولوجيا عبدالله العروي ص 10
([3]) الأيديولوجيا: قراءة تأسيسية في البنية المفاهيمية.
([4]) موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة.
([5])الموسوعة السياسية، الاشتراكية – Socialism
([6]) مدخل إلى الايديولوجيات السياسية، مرجع سابق، صفحة 247
([7]) الليبرالية – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: أمين حمزاوي، مراجعة: سيرين الحاج حسين، منشور على موقع حكمة
([8]) مدخل إلى الايديولوجيات السياسية، مرجع سابق صفحة 125.
([9])محاضرة للدكتور: محمد عفان بعنوان: القيم في الأيديولوجيات، على موقع اليوتيوب صفحة رؤية للفكر. https://youtu.be/NpLveMVtsCo
([10]) مدخل إلى الأيديولوجيات، مرجع سابق صفحة 45ـ46
([11]) مدخل إلى الأيديولوجيات، مرجع سابق صفحة 130ـ131
([12]) النقاط العشرة لفهم الفاشية ونقدها، عبدالله الغول، مقال على موقع الجزيرة نت https://cutt.us/cLm39
([13] ) الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، نعمان أحمد الخطيب، دار الثقافة للنشر والتوزيع، صفحة 102.
([14] ) انظر بحث بعنوان: وظائف الدولة بين الفكر الليبرالى والاشتراكي والإسلامي، منشور على موقع: ملتقى الباحثين السياسيين العرب
([15] ) بحث بعنوان: وظائف الدولة بين الفكر الليبرالى والاشتراكي والإسلامي، منشور على موقع: ملتقى الباحثين السياسيين العرب
([16] ) الموسوعة الفلسفية العربية، معن زيادة، الناشر : معهد الإنماء العربي،صفحة 408/2