بعد مرور كل هذا الوقت وهذه الاحداث بدأت ملامح الصراع في ليبيا أكثر ، فالوقت كان كافياً وكفيلاً بإظهار كافة الأبعاد و كل الأطراف وما مدى قوة فاعليتها على كلا الصعيدين أو البعدين المحلي والدولي.
فبعد الحرب الروسية الأوكرانية وانقلابات أفريقيا مروراً بالسودان ووقوفاً عند طوفان الأقصى وحرب غزة بالإضافة للأحداث السياسية في بقية دول العالم فالتجارب الحديثة تقول بأن القوة وسياسة الخشونة ليست هي الحل الناجع، فكم من أطراف كانت تدعى بأنها هي القوى العظمى والجيش الذي لايقهر قد تقف عاجزةً أمام دول أقل منها بل أفقر، وقد تستنجد وتستجدي حلفاءها و أصدقاءها لمد يد العون والدعم والمساعدة، وقد لا يغنيها ذلك شيئاً، فلقد علمتنا غزة دروساً عظيمة لكافة شعوب العالم التي تناضل وتكافح لنيل حريتها وحقوقها، وكم أيقظت من قضايا أمم أوشكت على الرحيل والمغادرة لعالم النسيان، كشعوب القارة السمراء وأمريكا اللاتينية وبقايا الهنود الحمر.
ليبيا ليست في منأى عن كل ما يدور على هذا الكوكب الصغير من أحداث وحروب ونزاعات، ولست مبالغاً حين أقول: إن القضية الليبية من أيسر وأسهل القضايا، وإمكانات حلولها ميسرة، ولكن التدخلات الإقليمية وتحكم الدول الكبرى في المشهد يقف حائلاً دون الولوج لأي باب من أبواب الحلول الممكنة، فالصراع الداخلي صراع يكاد يكون وهمياً، وذلك لا يمكن أن نجد قضية واحدة قد يختلف عليها اثنان، ولكن الأمر يعظم حين تربط كل الأطراف المحلية أو القيادات السياسية ولربما القبائل مصيرها بمصير مصالح بعض الأطراف الخارجية، سواءً إقليمية أو غيرها، وهذا الأمر يجعل المتنفذ في السياسة الليبية في موقف يحاول أن يوازن بين هذه الأطراف، فروسيا مقابل أمريكا و تركيا مقابل مصر و الجزائر مقابل المغرب على سبيل المثال لا الحصر، ومن المؤسف أن هذا مؤشر ينبئ بضعف و قوة تلك الجهات المتنفذة، لاسيما مع الانقسام الداخلي والتشتت والسعي لتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة.
لايزال أمام قياداتنا وساستنا فرص كبيرة من أجل الوصول إلى حل سريع والانفكاك من قبضة كافة الأطراف الخارجية فالحل لا يكون ولن يكون بالاستقواء بالغير، ولا بالاستعانة بالخارج، بل يتطلب الخوض والبحث والنظر في الأسباب، فبالحوار والاستماع للأخر يكمن الحل، والمصلحة العامة تعلو كل الطموحات والغايات، سواءً فئويةً أو فردية، ولن يكون بالرجوع للوراء، كما لا يمكن إحياء الموتى بالإبر الصينية فالصراع مع مرور الوقت وتعقيد المشهد بدأ يأخذ مناحي عدة، وإن طال الزمان به فقد نفاجأ بمتغيرات خطيرة وخصوصاً بالعمق الأفريقي.
فبعد الأحداث العالمية الأخيرة على الذي يدعى القوة أو الإمكانات الضخمة أن يتنازل وينحني لإرادة الشعوب ويتنازل، فان القوة لن تغنيه شيئاً، وعلى شعبنا وشعوب العالم ألا تقف عاجزةً أمام تحقيق آمالها وتطلعاتها، فان لم تصبر وتصمد خسرت الرهان، وسقطت تحت سطوة المحتل والعميل الذي يتولى تطويعها وتركيعها وعودتها لحظيرة الماضي، ومن ثم تختار الطرق التي تمارس بها حياتها وتسوس بها شأنها دون تنظير أو تأطير.
لا ننسى بأن الزمن كفيل بمعالجة كثير من القضايا، وعلى الأقل كشف حقيقتها وزيفها، وهذا أيضاً يساهم في إيجاد أيسر الطرق وأفضل الحلول لكل مشكلة، فاليوم بدأت الصورة أكثر وضوحاً، والجميع أكثر وعياً وإدراكاً، هذا أهم نصر تحققه الأمة إذا كان أبناؤها أكثر وعياً وإدراكاً بقضاياها وهمومها، فالحلول المعلبة التي يتم إصدارها هي حلول تحتوي على مواد غير صحية أو مواد مسرطنة، ولن تدوم طويلاً، فنحتاج لمنتجات محلية الصنع ذات جودة عالية وصلاحياتها طويلة الأمد.
فصراعنا اليوم صراع مشاريع له أدوات مختلفة وألوان وأشكال متعددة، يصوره الكثير بأنها قضايا محلية أو إقليمية، وملفات متعددة، والحقيقة هو مشروع واحد نحتاج للمزيد من الوقت لكي ندرك كنهه وحقيقته.